أيضا، وهو ما يقوله الأصوليون: إن الاستصحاب مع الشك الساري إلى المستصحب ليس بحجة. مع أن الاستصحاب لو سلم يدفعه شمول عموم الأدلة.
وهنا إشكال أورده الشهيد الثاني رحمه الله وهو: أن المكره والهازل كلاهما قاصدان للفظ دون المدلول والمعنى، فلم يصح عقد المكره بعد حصول الرضا، ويبطل عقد الهازل مطلقا؟ مع عدم الفرق بينهما (1).
وهذا الإشكال من الوهن مما لا ينبغي صدوره من مثله، نظرا إلى أن الرضا والإكراه أمران مغايران لقصد اللفظ والمعنى، والهازل قاصد للفظ لا لأجل التمليك وترتب الأثر، فلا يصدق عليه أنه عقد أصلا، وقد مر تحقيق ذلك في باب تبعية العقد للقصد. وأما المكره فهو قاصد للفظ وقاصد لمعنى التمليك والأثر، ولكنه فات عنه الرضا، ولا يخفى ذلك على من تأمل في الجملة، فإن من يبيع ماله لخوف قاصد للبيع وحصول المعاوضة قطعا، لكنه لا عن رضاه، بل عن خوف وإكراه، ويصير في الحقيقة الإكراه داعيا إلى ذلك، لا أنه غير قاصد للتمليك، فما أورده من الإيراد - بعد الفرق بصدق العقد في المكره عرفا دون الهازل وبكون المكره قاصدا للمعاوضة وأثر العقد دون الهازل - غير وارد أصلا، فتدبر. وهذا ما وعدناك سابقا.
ومن هنا يندفع ما أورده الشهيد الثاني رحمه الله تبعا للمحقق الثاني رحمه الله (2 الإيراد على الشهيد رحمه الله في تقييده الإكراه بعدم بلوغه إلى حد سلب القصد وسيجئ (3) وجه الإيراد وكيفية دفعه في موضوع الإكراه.
وأما الإيقاعات: فقد أشرنا إلى أن خروج المكره عن العموم فيها فلعله بالدليل، كما يظهر منهم. وهنا أبحاث اخر لا اهتمام بذكرها.