وبالجملة: لو كان بمعنى الإلزام أيضا ليس إلزاما مطلقا، بل إلزام مرتبط بشئ.
وبعبارة أخرى: الزام يحصل بواسطة ربطه بلازم آخر، وما لم يكن فيه ربط بالمرة فلا يطلق عليه لفظ (الشرط) بل يصح سلبه عنه، ولا يطلق عند العرف (شرطت عليك أو عليه كذا) إلا بعد وقوع فعل ومعاملة بين المتشارطين يكون الشرط مرتبطا به، كما لا يخفى على من تتبع طريقة العرف (1) وأهل اللسان. ومطلق الإلزام والالتزام لا يطلق عليه الشرط، بل هو العهد أو التعاهد ونحو ذلك.
وأما الشرط في ضمن العقد: فمن زعم أن الشرط معناه: الإلزام أو العدم عند العدم - كما ذكره أهل الأصول - احتمل كونه مأخوذا من كل منهما، وقال: إن قلنا بأن الشرط لو امتنع المشترط من وفائه يجبر عليه فيكون أخذ الشرط هنا من معنى الإلزام. وإن قلنا: إنه يتسلط الشارط على الفسخ فهو مأخوذ من معنى العدم عند العدم.
ولا يتوهم أنه حينئذ على هذا المعنى يلزم انتفاء العقد عند انتفاء الشرط كما هو مقتضى الشرطية، لأن ذلك لو كان شرطا لأصل العقد وليس كذلك، لأنه لو كان شرطا له لزم التعليق وهو مفسد إجماعا، بل هو شرط للاستمرار، فإذا انتفى الشرط انتفى الاستمرار.
وهذا المعنى هو الذي أفاده المعاصر المدقق النراقي في عوائده (2).
وهذا الكلام مما لا يخفى على المتدرب في الفن كونه أجنبيا عن الفقه، لأن الشرط لو كان بمعنى العدم عند العدم فلا يفترق الحال بين كونه شرطا لأصل العقد أو لاستمراره، إذ كما أن التعليق مبطل في أصل العقد مبطل في دوامه أيضا، إذ قصد الدوام لازم في العقود كما بيناه في أصالة اللزوم. ولا فرق بين قوله: (إن جاء زيد بعتك) بمعنى عدم إيقاع البيع لو انتفى الشرط، وبين قوله: (بعتك في الجملة ودوامه مشروط بمجئ زيد) بل لابد من إنشاء البيع والتمليك الدائم منجزا، وطريان البطلان أو الفسخ شئ آخر لا يمكن تقييده في القصد من أول الأمر، إذ