وأما اعتبار كونها ملتزمة (1) فإنما هو فرع من فروع كونها مما فيه نفع للمدعي أو ضرر على المنكر ولو بالحيثية، إذ المراد بكونها ملتزمة غير قابلة للتفصي عنه، بحيث لو أقر المنكر به لا يكون له مخرج عنه، فلو لم يكن كذلك - كدعوى هبة غير مقبوضة أو وقف كذلك فأنكرهما المنكر - لا يتوجه اليمين، إذ لو اعترف بوقوع مثل ذلك لا نفع فيه للمدعي. ولو فرض كون الإقباض مسلما ووقع البحث في العقد توجه الدعوى، كما لو فرض تعلق غرض آخر بوقوع صيغة الهبة لأمر آخر، كما لو شرط في عقد البيع إيقاع صيغة هبة لهذا المال. وإن لم يقبضه حيث كان هناك فائدة فادعى المشترط وقوعه ليلزم البيع وأنكره الاخر ليتسلط على فسخ البيع توجهت الدعوى.
فما في كلام الشهيد الثاني رحمه الله: من اعتبار كون الدعوى ملتزمة (2) إن أريد به ما يؤول إلى ما ذكرناه من تحقق النفع وعدم التفصي على فرض الإقرار فهو جيد، ولا ينبغي ذكره بلفظ (الملتزمة). وإن أريد خصوص الالتزام فهو مع كونه أخص من المدعى لا ينطبق الأمثلة عليه إلا بتكلف، لاحتمال فرض الالتزام في ذلك أيضا، إلا أن يتمسك بالحيثية.
وبالجملة: ليس الغرض المناقشة والإيراد، وإنما البحث لبيان المراد، واتضح أن هذا القيد ليس إلا داخلا فيما ذكرناه، فوجه اعتباره في مفهوم الدعوى غير واضح، واعتباره في سماعه متجه.
وأما اعتبار كونها جازمة فلها معنيان: أحدهما: كون المدعي في اعتقاده قاطعا بما يقوله، لا ظانا ولا شاكا ولا متوهما. وثانيهما: إبرازه في صورة المنجز (3 المجزوم به وإن كان في الواقع بظن أو شك أو توهم.
فإن أريد منه المعنى الأول فلا دليل على اعتباره أولا، لصدق الدعوى على ما أبرز في صورة القطع وإن لم يكن مقطوعا به بل كان مقطوعا بخلافه، وعدم صحة