والتشاجر والتنازع، فينبغي أن لا يكتفي فيها إلا بشئ ظاهر لكل أحد، وهو اللفظ الكاشف عن القصد كما في سائر مطالب العقلاء، أو الفعل الدال عليه على تفصيل يذكر بعد ذلك.
فإن قلت: إن هذا الكلام إنما يتم في العقود، وأما في الإيقاعات التي لا ترتبط بالغير ولا سيما في الإيقاع الذي هو بين الله وبين عبده - كالنذر والعهد واليمين - فإن الله تبارك وتعالى عالم بما تخفي الصدور، ولا يحتاج إلى لفظ دال، ولا إلى شئ آخر، فمجرد ما عقد قلبه على شئ يتحقق التأثير بذلك، بل ربما يمكن دعوى صدق لفظ النذر والعهد واليمين على مجرد العقد القلبي، فيشمله عموم قوله تعالى: وليوفوا نذورهم (1) وأوفوا بعهدي (2) واحفظوا أيمانكم (3) ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان (4) ونحو ذلك، فلا وجه لاشتراط الدال عليه. ومن هنا ذهب شيخ الطائفة - على ما نقله جماعة عنه - إلى (5) انعقاد النذر بمجرد عقد القلب (6) ويحتمل إرادته من النذر المعنى الشامل للعهد واليمين، لأنهما في الحقيقة نوع نذر، كما أن النذر عهد، سيما مع ملاحظة ما استدل به مما ذكرناه من علم الله تعالى بالسرائر، وعدم الحاجة إلى اللفظ إلا لكونه كاشفا ومن كلام الشيخ رحمه الله واستدلاله يمكن أن يقال بأنه يلتزم بانعقاد سائر العقود أيضا بالعقد القلبي إذا علم وإن كان نادرا، وكذا سائر الإيقاعات من عتق وتدبير ونحو ذلك، فإن مقتضى هذا الاستدلال: أنه متى ما علم تحقق السبب - وهو القصد - كفى، وهو في الإيقاع معلوم لمن أوقعه.
قلت أولا: إن ظاهر هذا الكلام يدل على أن المعترض تخيل أنا اعتبرنا اللفظ كاشفا وقلنا بأن السبب هو عقد القلب، وليس كذلك، بل قلنا: إن القصد لما كان شيئا مخفيا لا يطلع عليه غالبا ومبنى الشرع على قطع التشاجر فينبغي إناطة