يجب لا يضر، ولذا ذكروا: أن الزوجة إذا أسقطت نفقتها لا تسقط، لأنها تتجدد وتجب يوما فيوما، وليست بثابتة في ذمة الزوج حتى تكون قابلة للإسقاط، وكذا إبراء ذمة العاقلة قبل حلول النجم، فإذا كان كذلك فنقول: تصريح المالك بعدم الضمان عليه إسقاط لما لم يجب، لأن الضمان إنما يتحقق بعد التصرف أو الإتلاف، فلا ينفع الإسقاط قبله.
ودفعه: بأن هذا ليس إسقاطا للضمان عن الذمة حتى لا ينفع قبل الثبوت، بل لما كان الضمان إنما يترتب على الإتلاف واليد - ونحو ذلك - إذا لم يكن ذلك عن رضا المالك، للأدلة الدالة على حلية مال الغير برضاء نفسه، بمعنى كون المال الذي أباحه صاحبه كملك المتصرف في عدم الغرامة عليه، فهذا الأذن محقق لموضوع الإباحة حتى لا يتحقق الضمان، لا أنه إسقاط على فرض ثبوته، فتدبر.
ومنشأ كون الأذن المقيد بعدم الضمان مسقطا له مع قطع النظر عن الأدلة اللفظية والإجماع: أن من المعلوم أن الضمان إنما هو لاحترام مال المسلم وعمله، فإذا بذل برضاه فقد أسقط احترام ماله بنفسه، فلا وجه للضمان.
وأما الأذن المقيد بالضمان فلا بحث في أنه يرفع التحريم، ولكن يبقى الضمان على حاله، لعموم أدلته، وعدم رافع له، وعدم الملازمة بين الحلية وعدم الضمان.
وأما الأذن العاري عن قيد الضمان وعدمه فهو الذي ينبغي أن يبحث فيه.
فنقول: هل الأذن المجرد الخالي عن الأمرين يقتضي سقوط الضمان؟ فتصير الأمثلة التي ذكرناها من أنها مضمونة مع وجود الأذن: إما خارجة عن القاعدة بدليل آخر، أو يدعى أن الأذن فيها ليس مجردا، بل مقيد بالضمان وإن كان القيد مستفادا من القرينة الحالية. أو الأذن المجرد عن القيدين لا يرفع الضمان؟ وما ذكر من الأمثلة على القاعدة، وما سقط فيه الضمان - كالضيافة ونحو ذلك - فإنما هو بدلالة القرينة على عدم الضمان، والمسألة مما تعارض فيها الاحتمالان وتكافئا باعتبار ملاحظة الأمثلة والموارد.