الأول: ضمان المال الثابت في ذمة الغير، وهو الذي عقدوا عليه في الفقه بابا وذكروا له شرائط وأحكاما معينة، ومن الشرائط المعتبرة فيه: كون ذمة المضمون عنه مشغولة عند الضمان، لأن حقيقته عبارة عن انتقال المال من ذمة إلى ذمة، وهو فرع الوجود في الذمة الأولى، ولذلك ذكروا: أن ضمان مال الجعالة قبل تمام الأجل والدية على العاقلة قبل حلول النجم ونحو ذلك غير صحيح، وذلك واضح.
الثاني: التعهد بالمال بواسطة التعهد بالنفس كما في الكفالة، فإن العقد ابتداءا إنما هو على التعهد ببدن المكفول، ولكنه يلزمه تعهد المال لو لم يسلم المكفول - كما ذكروه في باب الكفالة - وهذا الضمان أيضا ضمان مال بواسطة التعهد بالنفس.
وإن شئت قلت: رجوع المكفول له على الكفيل بالمال داخل في ضمان الإتلاف، نظرا إلى أن الكفيل بكفالته وتخليته سبيل المكفول قد أتلف مال المكفول له، فإن سلم المكفول فيأخذ ماله منه، وإن لم يسلم يرجع على المتلف، فيصير تحت قاعدة الإتلاف.
الثالث: التعهد بأمر خارج عنهما، وهو الذي يعبرون عنه ب (ضمان ما لم يجب) وهو غير جائز، بمعنى لا يلزم بشئ، ولضمان ما لم يجب صور:
منها: أن يقول لواحد: إن فلانا إذا جنى شيئا أو غصب مالا أو أتلف أو نحو ذلك فأنا ضامن له، مع أنه لم يفعل شيئا من ذلك في هذا الوقت، فيعلق (1) الضمان على الحصول، ويكون معناه: كل غرامة تعلق بذمة فلان فأنا ضامن لها. وهذا الضمان لا كلام في بطلانه، للأصل وظاهر الإجماع، وعدم وجود دليل دال على صحته. ومن هذا الباب ما ذكروه في الفقه: من عدم صحة ضمان عهدة الثمن لو انفسخ البيع، وضمان درك ما يحدثه [المشتري] (2) من بناء أو غرس لو ظهرت العين المبيعة مستحقة للغير، وضمان عهدة الأرش لو ظهر المال معيبا، فإن ذلك كله ضمان لشئ لم يثبت في ذمة المضمون عنه عند الضمان.
ونحوه ضمان مال الجعالة، وعوض السبق والرماية، ودية أرش الجناية قبل