القلم) على ذلك، فلا يعارض الأدلة السابقة. وإما المراد منه: نفي القلم الجاري على المكلفين حتى في المستحبات، ولا منافاة بين عدم كون الاستحباب بالمعنى الموجود في المكلفين وبين كونه مستحبا مستحقا للثواب من جهة التمرن، كما يراه أهل القول الثالث.
وبالجملة: فحديث (رفع القلم) لا يدل على التمرين الصرف إلا مع فرض دلالته على ارتفاع الحكم مطلقا، وليس كذلك، ويرشد إلى هذا المعنى: عدم ارتفاع الأحكام الوضعية من حيث نفسها عن الصبيان كما ذكرناه، مع أن حديث (رفع القلم) عام، وليس إلا لانصرافه إلى المؤاخذة لا أصل الحكم، ورفع المؤاخذة رفع للوجوب والتحريم، دون سائر الأحكام.
إذا عرفت هذا فبقي تحقيق الحق بين القولين الأخيرين، فنقول: قد ظهر مما ذكرنا: أن ترتب الثواب عقلا لا مانع منه، ولو كان هناك مانع لم يكن فرق بين استحباب التمرن واستحباب الصلاة، ومتى ما انفتح باب كون الشئ مطلوبا من الصبي بحيث يؤجر عليه جاز كون كل عمل كذلك، وذلك واضح. بل قد عرفت أن مقتضى قبح ترجيح المرجوح وقاعدة اللطف وكون الأجر لكل كبد حراء وجود الثواب أيضا، فضلا عن عدم المانع عقلا، ولكن أصحاب القول الثالث يدعون: أن الثواب في الجملة اللازم من اللطف ونحوه من الأدلة نقول به، وهو ثواب الاعتياد، وأما ثواب أصل العمل - كما في البالغ - فهو فرع الدليل، وليس إلا شمول العمومات وقاعدة الأمر بالأمر، والعمومات لو فرضنا عدم انصرافها إلى البالغين، والأمر بالأمر لو سلمنا عدم كونه منصرفا إلى التمرين الذي لا يدل إلا على مطلوبية التمرن دون أصل الأفعال، نقول: إن حديث (رفع القلم) قاض بارتفاع كل ما هو جار على البالغ من الصبي، ومنه مطلوبية أصل الأفعال. نعم، على الصبي يجري ما لا يجري على البالغ وهو رجحان التمرن، فإن ما في البالغ مطلوبية أصل الفعل وهو غير متحقق في الصبي، وما في الصبي رجحان تمرن ليس في البالغ، فحديث (رفع القلم) مخصص للعمومات وموجب لارتفاع قاعدة