كما أنه لا يمكن أن يقال: إن جنون العامل وإغمائه لا يوجبان (1) البطلان، إذ لا مانع من جواز تصرفه بعد زوال المانع، لوجود المقتضي وهو العقد.
لأنا نقول: إن العقد قد اقتضى كون هذا الرجل العامل - مثلا - جائز التصرف ما دام له أهلية التصرف، بمعنى: أن العقد إنما كان تعلقه على البالغ العاقل المكلف، فإذا زال الوصف خرج عن كونه متعلق العقد كالميت، وعوده إلى صفات الكمال بعد بطلان العقد لا ينفع ذلك في شئ (2) وتوضيح المسألة يحتاج إلى بسط في الكلام وتنقيح في المقام، وفي الحقيقة تؤول المسألة إلى فرع من فروع التعليق التي ذكرنا أنه من المبطلات.
وبيان ذلك: أن تسليط شخص ممن له أهلية التسليط وولايته على مال ونحوه يتصور على وجوه ثلاثة:
أحدها: طريق الأذن الذي (3) يحصل بإنشاء الولي في ضمن أحد العقود أو الايقاعات، بمعنى: أنه يستند المتصرف بهذا الأذن في تصرفه إلى الولي الأصلي ويكون تصرفه قائما مقام تصرفه ونيابة عنه، فيكون في الحقيقة يده يد الولي الأصلي، وليس له استقلال في وجه من الوجوه. ومن لوازم هذا الفرض أنه ينعزل بعزله وبانعزاله وطريان مانع من التصرف له أو للولي المسلط له على ذلك. ويسمى هذا القسم (نيابة) لكونه فرع المنوب عنه، تابعا له في الإمضاء والعدم.
وثانيها: طريق حدوث (4) الولاية لذلك المتصرف بجعل ولي الأمر، بمعنى: أن تصرفه مستند إلى جعله، وليس له شئ من التصرف لا في الواقع ولا في الظاهر إلا بجعله، فبإنشائه يكون الثاني أهلا للتصرف، لكن بالولاية لا بالنيابة، فيكون تصريح الولي الأصلي موجبا لحدوث ولايته وأمارة له، فيتسلط على التصرف وإن كان الولي الأصلي خارجا عن أهلية التصرف، ولا يكون في ذلك تابعا لأصله.
وثالثها: طريق بيان الحكم، بأن يبين المنشئ للتسليط حكم الشرع في ذلك