وبالجملة: فشرطية الإسلام والإيمان في صحة العبادة مما لا بحث فيها عند أصحابنا، فلا حاجة إلى ذكر الأدلة.
وأما الوقف والصدقة والعتق: فبعض من اعتبر قصد القربة فيها منع من صحتها من الكافر، وجماعة منهم قالوا بصحتها، منهم الشهيد رحمه الله في اللمعة، فإنه مع اشتراطه القربة في العتق قال: والأقرب صحة العتق من الكافر (1).
وخلافهم في هذه الثلاثة مع اتفاقهم على بطلان سائر العبادات منه: إما من جهة أن الدليل دل في هذه الأمور على اعتبار إرادة وجه الله تعالى وهي ممكنة من الكافر، كما في الخبر: أنه (لا عتق إلا ما أريد به وجه الله تعالى) (2) وليس كذلك سائر العبادات، وقد علل بذلك الشهيد الثاني رحمه الله (3). وإما من جهة تركب هذه الثلاثة من جهة مالية وجهة عبادة، ويرجح من ذلك جانب المالية. وإما من جهة أن هذه كلها إخراج عن الملك، وملك الكافر أضعف من ملك المسلم، فهو أولى بالفك. وإما من جهة أن الكافر ليس بمالك في الحقيقة، وإنما هو صورة ملك لبقاء النظم، فإذا أخرجه ودفعه خرج عن ملكه وإن لم يترتب عليه الآثار من الثواب ونحوه.
والتحقيق: أن هذه الثلاثة أيضا ليست صحيحة من جهة كونها عبادة، ولذلك لا ثواب فيه. نعم، هي صحيحة من جهة كونها معاملة وفك ملك، غاية ما هناك: أنه يرد أن هاتين الجهتين مرتبطتان لا تنفك إحداهما عن الأخرى، ولذلك لو لم ينو المسلم القربة لم يصح عتقه أصلا.
ونجيب عن ذلك بأن الكافر أو المخالف يلزم بمعتقده، فإن اعتقاده فيه الصحة، وهذا المقدار يصير حجة عليه في الخروج عن الملك، ويدخل في عموم (ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم) (4) فتبصر.