الراهن، والهبة، فإنه لازم من طرف المتهب وجائز من طرف الواهب في غير المعوض وذي الرحم والزوجين على الأصح، فهل اللازم من طرف دون آخر لازم أو جائز أو مركب؟ وجوه:
قيل: بأنه مركب كما هو المشهور في الألسنة من أهل العلم (1) والوجه فيه: أنه وجد فيه الجواز واللزوم معا، فإنه باعتبار أحد طرفيه ممتنع (2) الفسخ، وباعتبار طرفه الاخر جائز، وهو معنى الواسطة.
وقيل: بأن هذا جائز إذ التناقض بين الجائز واللازم واضح، ومعنى اللزوم يرجع إلى سالبة كلية، وهو عدم إمكان الفسخ مطلقا، ومعنى الجواز هو الإيجاب بمعنى إمكان الفسخ، ولا ريب أن الفسخ من أحد الطرفين فسخ من الاخر، لعدم معقولية التفكيك، فيصير هذا العقد قابلا للفسخ شرعا، وأما أن الفاسخ هو المتعاقدان أو أحدهما أو أجنبي، فلا ربط له في كون العقد في ذاته لازما أو جائزا.
ويؤيد هذا الوجه أنهم يجرون في صيغة الرهن والهبة أحكام الجائز من صحته بأي لفظ وقع حتى بالجملة الاسمية في الرهن، ولا يستعملون فيهما ما يداقونه في العقود اللازمة.
ويؤيد عدم كونهما من الجائز عدم بطلانهما بموت أو جنون أو نحو ذلك مما يبطل العقد الجائز.
وأما احتمال إلحاقهما باللازم فهو من المستبعد جدا، ويحتاج إلى جعل الجائز بمعنى إمكان فسخه من كل أحد أو (3) من المتعاقدين، واللازم ما ليس كذلك، وهو خلاف ظاهر.
والتحقيق: أنه لو لوحظ الجواز واللزوم بالنظر إلى نفس العقد - كما هو الظاهر من التوصيف - فيلحقان بالجائز، لأنهما في نفسهما جائزان قابلان للانفساخ، ولا دخل لتعدد الفاسخ ووحدته في ذلك.