العانة بالدواء حتى يسلم من القتل، ونظائر ذلك مما يطلع عليه المتتبع.
والوجه في قبول قول المدعي هنا من دون بينة أمور:
أحدها: ظهور الإجماع القطعي من الأصحاب على ذلك، فإنهم في هذه المقامات يحكمون بسماع قوله مع يمينه، بحيث يستفاد منهم كون ذلك من المسلمات المتفق عليها، لعدم النكير منهم في ذلك. وتعليلهم بأنه شئ لا يعلم إلا من قبله، يرشد إلى أن القاعدة مجمع عليها عندهم، كما ذكرناه في العنوان، فلا يرد البحث بعدم ثمرة الإجماع في مورد الشك، أو عدم إمكان التخصيص، كما ذكرناه في البحث السابق. وفتواهم بذلك مع تعليلهم به أقوى حجة على ذلك، فإنه مع كونه دليلا برأسه كاشف عن وجود دليل آخر كذلك.
وثانيها: ما علل به في مثل دعوى الغاصب أو غيره - من أصحاب أيدي الضمان أو غيره (1) - التلف، فإنه يقبل قوله، للزوم تخليده الحبس لو لم يسمع قوله حيث لا يتمكن من الأثبات، ولعله في الواقع صادق. وهذا التعليل ينطبق على كثير من الموارد، ولا فرق بينها وبين غيرها، لعدم القول بالفصل أصلا.
وثالثها: أن ظاهر قوانين الشرع كون كل شئ فيه مخرج من الشرع، وإلا فوجود شئ من التنازعات لا مخرج له شرعا ولا مخلص غير معلوم، كيف!
والشرع مبني على قطع الخصومات وطي الحكومات، فإذا كان المدعى يدعي شيئا لا يمكن فيه الأثبات بالبينة، فإذا بنينا أنه لا يسمع قوله أيضا إلا أن يثبت وهو غير مخرج ولا مخرج غير ذلك لزم العجز عن قطع الخصومة وبقاء التشاجر، وينافيه وضع الشرع، وليس الدافع إلا سماع القول مع اليمين، كما لا يخفى على من تدبر، وإن احتمل غيره في بادئ النظر.
ورابعها: ملاحظة الاستقراء والتتبع في أغلب هذه الموارد، فإنه مورد نص أو إجماع غالبا، والمشكوك فيه يلحق بذلك أيضا.