بمعونة العادة عند أهل الخرس، ولا يعتبر فيها القطع بالمراد، لأن الأدلة السابقة كما تشمل مفيد القطع تشمل مفيد الظن، ولاستلزام اشتراط إفادتها العلم العسر والحرج، بل التعذر غالبا، كما لا يخفى على من تأمل.
نعم، يختص هذا الكلام بمن هو من أهل الإشارة المعتادة كالأخرس أو نحوه مما طال العذر فيه، بحيث صار تكلمه بالإشارة كمقطوع اللسان، وأما من كان عروض العذر فيه نادرا - كاعتقال اللسان بالمرض ونحو ذلك بحيث لا يصير الشخص بذلك ممن عادته الكلام بالإشارة - فالأقوى اعتبار حصول القطع من إشارته بالقرائن، ولا يكفي الظن، لأن الاعتياد على الإشارة يجعل الإشارات (1) بمنزلة الألفاظ الموضوعة فيصير الاستناد إليها كالاعتماد في الألفاظ على قانون الوضع، بخلاف غير المعتاد فإن إشارته ليس بأمور خاصة على المراد كالوضع، بل إنما هو بالإشارة العامة القابلة لكل شئ، والظن غير كاف في مثله ما لم يحصل القطع، فتدبر.
الثاني: أنه هل يعتبر في إشارة الأخرس أن يكون على طبق إشارة الأخرسين، بمعنى أن يكون استعماله الإشارة على نحو ما هو عند سائر أفراد الأخرس كاللفظ بالنسبة إلى سائر المتكلمين من أهل ذلك اللسان، أم لا يعتبر ذلك؟
وعلى الثاني: هل يعتبر كون تلك الإشارة معتادة عند نفسه ولو كانت مغايرة لإشارة سائر الأخرسين في هذا المقام - كما لو اخترع الأخرس لنفسه إشارة لكل مطلب واعتاد ذلك وإن لم يكن على طبق إشارات (2) سائر الأخرسين - أم لا يعتبر، بل يكفي مطلق إشارته المفهمة للمراد ظنا وإن لم تكن تلك الإشارة معتادة؟
الظاهر: أن كون إشارته معتادة للأفراد (3) الأخرس مما لا دليل على اعتباره، وقياسه على الألفاظ لا وجه له، لأن مبنى الألفاظ إنما هو على التعلم والتعليم، بخلاف الإشارات فإنها إلهامية له من الله - سبحانه وتعالى - على حسب ما يخطر