الموجبة للضمان هو الاستيلاء العرفي دون الشرعي، وهو يحصل في العبد من دون شبهة، مضافا إلى أن عدم كون يد له معناه: كون يده يد مولاه، فهناك يد لا محالة، وأما هو يد العبد أو يد المولى ففيه البحث. وبالجملة: فلا بحث في كون العبد كالحر في ذلك.
وأما العبادات المالية - كالزكاة والخمس والحج والصدقات - فلا تتعلق بالعبد، نظرا إلى أن العبد إما هو ليس مالكا - أي: لا يقدر على التملك - فلا يحصل شرط الوجوب في هذه العبادات، إذ لا تجب الزكاة إلا مع النصاب، وكذا الخمس لا يجب إلا بالملك، والحج لا يجب إلا بتملك ما به الاستطاعة، والكفارة ونحو ذلك فرع القدرة على الأداء والدفع، ومجرد حصول السبب لا يكفي في الوجوب، ومن ليس مالكا للمال غير متمكن من الكفارة المالية، فالخطاب به يصير تكليفا بما لا يطاق. وإما أن العبد ممنوع من التصرف وإن كان مالكا، ومن شرائط وجوب الزكاة ونحوه التمكن من التصرف، وفي غير ذلك لا يعقل الوجوب المطلق مع الحجر، ولو فرض الوجوب فلا بد من كونه مشروطا بإذن المولى، وعلى تقدير إذنه لا كلام فيه، والبحث في حصول التكليف الذي لا يحتاج إلى إذن المولى.
وهنا إشكال، وهو: أنه أي فرق بين العبادات المالية وبين الضمان والغرامة؟
فإن كانت القدرة على الدفع شرطا بحيث ما لم يكن هناك تمكن لم يكن وجوب ففي المقامين، وإن لم يكن شرطا ففي المقامين.
والتحقيق أن يقال: إن العبادات المالية لها جهتان: جهة تكليف، وجهة ضمان.
أما جهة التكليف فلا يتعلق به من دون تمكن، والوجه ما مر من لزوم تكليف ما لا يطاق. وأما الضمان فهو ثابت على تقدير تحقق السبب والشرائط، وحكمه حكم سائر الضمانات. وعدم تعلق الزكاة والخمس والحج من جهة فوات شرط الوجوب، فهو ليس من باب اختلاف الأحكام. واشتراط الفقهاء الحرية - مثلا - في الزكاة ليس من جهة الحرية نفسها، بل من جهة عدم الملك، أو عدم التمكن من التصرف في العبد، وهذا لو كان في الحر أيضا لم تجب الزكاة.