وجود شئ صالح لأن يكون قرينة، فإنهما يرفعان الظهور المعتبر في الحمل على الحقيقة، ولا ريب أن سبق ذكر أفراد معهودة سابقا يوجب صرف العموم إليها، أو هو صالح للصرف، بمعنى أنه يحتمل كونه صارفا، كما لو قال المولى المالك لعشرين بيتا وعشرين ثوبا لعبده: (اغسل كل يوم الثوب الفلاني والفلاني) - مثلا - إلى خمسة، (واكنس البيت الفلاني والفلاني) إلى خمسة أيضا معينة من البيوت والثياب، ثم قال بعد مضي أيام في يوم: (اكنس البيوت، واغسل الثياب، واذهب إلى السوق) لانصرف إلى ما هو المعهود من ذلك، لا إلى العموم.
ولا ريب أن سورة المائدة من أواخر السور المنزلة، ولا شك أن قبل نزولها قد علم من الشارع عهود وأحكام معلومة من الواجبات والمحرمات وصحة بعض العقود وبعض الإيقاعات، فهذا يوجب كون الخطاب منصرفا إلى ما سبق دون العموم.
مضافا إلى كون قوله تعالى: أحلت لكم بهيمة الأنعام (1) تفسيرا للعقود، كما في كلام بعض أهل التفسير (2) وهو مما يضعف الحمل على العموم.
وهذا الإشكال (3) مع صدوره عن الفاضل المعاصر في عوائده (4) مما لا ينبغي أن يصغى إليه من وجوه:
أما أولا: فلأن سورة المائدة إذا كانت آخر السور في قول، أو في أواخر (5) عهد النبي صلى الله عليه وآله فلا ريب في انتشار الأحكام وبيان الحلال والحرام في ذلك، فيحمل حينئذ على العموم، ولم يبق شئ من العهود حتى لا يدخل تحت الآية الشريفة.
وثانيا: أن كون ما سلف قرينة لإرادة العهد لا يكفي فيه السبق فقط في الجملة