آخر، وأعم العقود هو الصلح، فإنه ليس عقد (1) أشمل منه وأكثر موردا (2) منه.
ولابد من بيان الضابط الإجمالي أولا في ذلك حتى يجعل معيارا في كل باب ويلاحظ (3) بالنسبة إليه.
فنقول: قد تقدم مرارا، أن العقود ليست من المخترعات الشرعية، بل إنما هي أمور مجعولة مقررة عند العقلاء على نحو ما يحتاجون إليه في أمر معاشهم ونظام أمورهم، وهذا كله كان موجودا في زمن صاحب الشريعة، لكنه قرر طائفة من ذلك ومنع عن طائفة أخرى، وقيد بعضها وأطلق أخرى، فالمعيار حينئذ بعد ذلك في ضبط المتعلقات والموارد إنما هو ما جرت عليه طريقة الناس في كل باب، إلا ما دل الدليل على إخراجه.
وما خرج عن القانون العرفي فهو ليس بمشمول للأدلة، فيحتاج في صحته إلى دليل خاص، ولذلك جعل الأصحاب - رضوان الله تعالى عليهم - في كل باب ضابطا بحسب ما وجدوه متعارفا بين الناس في ذلك النوع.
فمن العقود: ما هو لتمليك الانتفاع - كالنكاح - ومنها: ما هو للتسليط على التصرف، ومنها: ما هو لتمليك عين، ومنها: ما هو يتعلق بالمنافع، ومنها: ما يتعلق بالحقوق، ومنها: ما يتعلق بالاثنين أو الثلاثة. ثم قد يكون المتعلق شيئا موجودا في الخارج معينا، وقد يكون [موجودا] (4) في الخارج كليا مشاعا، وقد يكون معدوما معينا، وقد يكون معدوما كليا ونحو ذلك من التقسيمات، فلابد في الضبط من رسم مباحث.
الأول: كل عقد فيه جهة مالية لا يصح أن يكون متعلقا بما لا مالية له. والمراد بالمال أخص من الملك، إذ المملوك كل ما كان للإنسان تسلط عليه شرعا في التصرفات، والمال عبارة عماله قيمة في العادة، فحبة الحنطة وقشر الجوز ونحو ذلك من الأشياء الحقيرة وإن كانت مملوكة لمالكها لا يجوز غصبها وإتلافها إلا