وثانيها: ملاحظته باعتبار كونه خطابا من الخطابات، يعني كلاما متوجها إلى الغير، فيعتبر في ذلك تعيين المتكلم والمخاطب والأسماع والاستماع والسماع، بمعنى: أنه لو قال واحد من الجالسين في مجلس لمخاطب معين: (بعتك الشئ الفلاني بكذا) أو (وكلتك) - ونحو ذلك - ولم يعرف المخاطب ذلك المتكلم - إما من جهة كونه أعمى، أو من جهة عدم التفاته إلى المتكلم، فلم يدر أن القائل من هو - فقال: (قبلت) بطل.
وكذا لو انعكس فقال المتكلم المعين: (بعتك) غير موجه كلامه إلى شخص معين، فقال واحد منهم: (قبلت) أو قال: (بعت أحدكم) فبادر واحد منهم بالقبول، أو قال: (بعت) من دون خطاب، فقال واحد: (قبلت) بطل. أو قال لزيد: (بعتك) فقال عمرو: (قبلت) بطل أيضا.
وكذا لو قال لزيد: (بعتك) ولم يسمع زيد لكن علم بعد ذلك بصدور الإيجاب من خارج فقال: (قبلت) أو لم يقصد المتكلم الأسماع فكذلك.
وبالجملة: تعين (1) الموجب والقابل قبل العقد وتوجه الكلام إليه وسماعه لذلك واستماعه له شرط في العقود كافة، عدا ما نستثنيه عن قريب.
ولم يتعرض جماعة من الفقهاء - بل كلهم - لذلك اتكالا على أن هذه ليست من شرائط العقد من حيث إنه عقد، بل من شرائط التخاطب والألفاظ.
نعم، يظهر اعتبارهم ذلك مما ذكروه في الجعالة: ولا يشترط تعيين العامل، ولا سماعه للإيجاب الصادر من الجاعل، فيصح أن يقول: (من رد عبدي فله كذا) فلا عبرة بالتعيين، ويجوز أن يفعل واحد العمل بعد اطلاعه على صدور هذا الجعل وإن لم يسمع به عند صدوره، بل جماعة احتملوا، بل أفتوا (2) بأنه لو لم يطلع على صدور الجعل أيضا لو أتى بالعمل غير قاصد للتبرع أو ناويا للعوض وصادف