موقوفا على أمر متأخر، ويجئ تحقيقه في باب التعليق إن شاء الله تعالى.
ولا ريب أن المكره كالهازل قاصد للفظ دون المعنى، فكيف يصح عقد المكره بلحوق الرضا ولا يصح عقد الهازل وإن رضي بعد ذلك وأجاز؟ وهذا الإشكال مما ذكره شيخنا الشهيد الثاني قدس سره في شرحي الشرائع واللمعة (1) ولم يتخلص عنه.
ولكن الإشكال غير وارد والجواب بين والأمر سهل، إلا أنه لما كان محتاجا إلى بيان معنى الإكراه وتحقيق أن المكره قاصد للفظ والمعنى معا لكنه فاقد للرضا، وهو غير قصد المعنى، بخلاف الهازل فإنه غير قاصد للمعنى، أخرنا بيانه إلى مسألة الإكراه والاختيار الآتي في الشرائط العامة إن شاء الله تعالى (2).
وبالجملة: القصد للفظ والمعنى شرط في صحة العقود بالمعنى الأعم، بل في عقديته، وهذا أحد وجهي قولهم: العقود تابعة للقصود.
وثانيها (3): أن العقد تابع للقصد في أركانه ولوازمه وأحكامه، بمعنى أنه ما لم يقصد شئ منها لم يقع. كما أن أصل العقد لا يتحقق إلا بقصد الإيجاب والقبول، ومعناهما كذلك لا يصح إلا بقصد متعلقه من العوض والمعوض والموجب والقابل، بمعنى أنه لابد في العقد من قصد المبيع والثمن في البيع، والزوجين في النكاح - ونظائر ذلك - ومن قصد المخاطب بالخطاب، فلا يمكن قصد بيع مطلق بعوض مطلق وإن عين بعد ذلك.
وكذا لا يصح لو قال: (بعت) ولم يقصد مخاطبا معينا هو القابل وإن قال بعد ذلك أحد: (قبلت). كما لا يصح لو لم يقصد القابل بقوله ذلك الإيجاب الصادر من الرجل المعين، فلو سمع قائلا يقول: (بعت) فقال: (قبلت) لم يصح وإن صادف الواقع