وثالثا: أنه لو سلم ذلك فلا يمكن إلحاق صورة التلف بالتعدي - للإجماع على الضمان فيه - حتى يتم لك القول باشتراط القصد في ذلك، فمتى ثبت في تلك الصورة بالدليل الاجتهادي وبالاجماع فيلحقه باقي الصور، مع أنه لو أمكن الإلحاق أيضا لكنا نقول بترجيح جانب الضمان لقوة الضميمة (1) والاستناد إلى دليل اجتهادي، فتدبر.
الثاني: أنه هل يعتبر كونه عالما بأن هذا تعد أو تفريط، أو يعم الحكم ما لو كان عالما بالموضوع أو جاهلا، بل ما لو كان معتقدا للخلاف أيضا - كما لو زعم ما فعله لازم الفعل فبان لازم الترك، أو ما تركه لازم الترك فبان لازم الفعل -؟ الظاهر التعميم، لعين ما ذكرناه من الوجوه السابقة، فإن السبب من الأحكام الوضعية التي لا يفترق الحال فيها بين العلم والجهل، بل متى ما قلنا بعدم اعتبار القصد فلا وجه لاعتبار العلم بالموضوع.
وأما العلم بالحكم - بمعنى كون هذا التعدي أو التفريط موجبا للضمان - فغير معتبر قطعا، إذ العلم أو الجهل بالأحكام اللاحقة للموضوعات لا يؤثر في صدق ألفاظ الموضوعات عليها، ومتى ما علق الحكم على لفظ يترتب بعد صدقه، سواء علم الحكم أو جهل، مضافا إلى أن المعيار في المقام على ما ذكرنا: عموم (اليد) وهو غير مشروط بشئ من ذلك.
الثالث: أنه لا يعتبر العلم بأنه مال الغير، فلو زعم أنه مال نفسه أو مأذون فيه في التصرف كيف كان فبان خطأه فقد تحقق التعدي والتفريط وتعلق الضمان كيف كان، وعلى ما ذكرنا يكون معنى كلام الأصحاب: (فعل ما يجب تركه وترك ما يجب فعله) إرادة الواقع، بمعنى: أنه لو لم يكن هناك سهو ولا نسيان ولا جهل ولا خطأ ولا غير ذلك من الأعذار لكان ذلك واجبا، لا الوجوب بالفعل، وإلا للزم الاقتصار على صورة الوجوب الشرعي وانحصر الضمان فيما إذا فعل ما هو حرام