لا يقال: إن غاية ما يستفاد من الآية: عدم جعل سبيل على المحسنين من جانب الشرع ابتداءا، وأما لو فتح المحسن السبيل على نفسه بإتلاف أو وضع يد أو نحو ذلك فأي مانع من الضمان؟ نظير ما مر ذكره في نفي سبيل الكافر على المسلم.
لأنا نقول: فرق بين المقامين، فإن الآية هناك قد دلت على أن الله لم يجعل سبيلا لكافر على مسلم، وهنا قد دلت على عدم السبيل من أصله، فالمحسن لا سبيل عليه مطلقا.
ولا يمكن حمل الآية على الأخبار، لبعده عن طريقة الشرع، واستلزامه الكذب في غالب الموارد، بل الظاهر منها إرادة إنشاء الحكم الوضعي، وهو عدم ثبوت الغرامة والضمان عليه، وهو المدعى.
ولما كان نفي السبيل معلقا على وصف الإحسان، فالمستفاد منه عدم ثبوت السبيل في محل الإحسان ومن حيثيته، بخلاف الحيثيات الاخر، فيكون المراد:
أن في محل الإحسان لا ضمان على المحسن، وإن كان الضمان عليه من جهات أخر ، ولا بد من البحث في تنقيح معنى (الإحسان) حيث إنه المدار في ذلك.
فنقول: هل الإحسان أعم من جلب المنفعة ودفع المضرة، أو يختص بالأولى دون الثانية، أو بالعكس؟
لا شبهة في أن إيصال نفع إلى غير يسمى إحسانا للتبادر وعدم صحة السلب ونص أهل اللسان. وأما دفع المضرة فالظاهر فيه أيضا ذلك وإن كان لفظ (الإحسان) يومئ إلى نوع من الإيجاد ومنع المضرة ليس فيه ذلك، ولكن الظاهر أنه لا يصح سلبه، والقدر المشترك متبادر منه.
فلو قلنا بالأعم يلزم (1) عدم الضمان فيمن أثبت يدا على مال غيره لدفع مضرة عنه، أو جلب نفع إليه، كأخذ المال من يد السارق، أو المنقذ من الغرق، أو المخلص من الحرق، وآخذ المال للاسترباح أو الاستئجار - ونحو ذلك - حتى