قد يستدل عليه بعموم (نفي السبيل عن المحسنين) وهذا إحسان.
وفيه: أن كونه إحسانا إنما يسلم فيما كان هناك مضرة لا تندفع إلا بذلك، وفي ذلك الفرض سلمنا جواز التصرف، وأما في صورة إمكان التأخير والتعطيل إلى أن يتمكن من حاكم الشرع فلا نسلم كون تصرفه إحسانا، إذ قد مر في قاعدة الإحسان: أن أخذ مال الناس بغير إذنهم والتصرف فيه للاسترباح ونحو ذلك لا يعد إحسانا، بل هو موجب للضمان مع التلف، وأموال الأيتام والغياب ونحوهم كذلك، ولو فرض صدق الإحسان فيشكل انصراف الإحسان إليه وشموله له، مضافا إلى ما يستفاد من اتفاق الأصحاب على عدم كون مثل ذلك في حكم الإحسان ولو فرض دخوله تحت اسمه، فتدبر.
وقد يتمسك بعموم أدلة الحسبة والمعاونة على البر والتقوى، وهو قاصر من وجوه:
أحدها: منع كون كل تصرف في مال المولى عليه معاونة على البر والتقوى، لعدم صدقها عرفا عليه.
وثانيها: منع كون ذلك معاونة على البر مع التمكن من الحاكم ولو بالتأخير - كما هو الفرض - وإلا لزم جواز تصرف كل أحد في مال الغير باسترباح ونحوه لأنه معاونة عل البر، مع أنه ليس كذلك، بل يدور مدار إذن المالك ومن بحكمه.
وثالثها: أن الكلام في إثبات الولاية، والآية لا تثبتها، بل تفيد الجواز أو الاستحباب أو الوجوب من جهة كونه إعانة على البر، مضافا إلى عدم الشك في شمول هذا الخطاب للكافر والمسلم، والفاسق والعادل، والمخالف والمؤمن، فيلزم جواز تصرف الفساق أيضا، مع أنه مخالف للإجماع.
فإن قلت: نتمسك في خروج الفاسق في هذا المقام بالإجماع والنص، وكذا من هو مثله، فيكون كل أحد مكلفا بالمعاونة على كل بر وتقوى، إلا الفاسق [ونحوه] (1) في أموال الغير.
قلت: الظاهر أن قوله تعالى: وتعاونوا (2) مسوق لبيان حكم العقل، بمعنى:
أن بعد كون الشئ برا وتقوى فالمعاونة مطلوبة، وهذا المعنى مما يحكم به العقل، وليس قابلا للتخصيص حتى يخرج الفاسق والكافر من هذا الحكم. والظاهر أن ذلك لعدم كون ذلك معاونة على البر، بل هو ولاية تحتاج إلى دليل يدل عليها.