أحدهما: إجماع الأصحاب على عدم ترتب الآثار على الخالي عن القصد، كما هو صريح كلامهم في طي أبواب الفقه بحيث لا يشك فيه مشكك.
وثانيهما: أن مقتضى الأصل الأولي عدم ترتب الآثار المجعولة لهذه الأسباب شرعا إلا بدليل، ومن المعلوم أن أحكام العقود والإيقاعات وآثارها كلها مخالفة للأصل، فلابد في ترتيب هذه الآثار من الاستناد إلى حجة شرعية، وليس إلا أدلة العقود عموما وخصوصا.
ولا يخفى أن أدلة العقود العامة - كما ذكرناه في أصالة الصحة واللزوم - قد اعتبر فيها لفظ العقد والشرط ونحو ذلك، ولا ريب أن العقد معناه: العهد أو الربط، ومالا قصد فيه لا يعد عهدا ولا يعد ربطا، لا لغة ولا عرفا، وكذا الكلام في لفظ الشرط.
وأما الأدلة الخاصة فقد اعتبر فيها لفظ البيع والإجارة والنكاح والطلاق والإقرار والعتق ونحو ذلك، ولا ريب أن كل ذلك ينصرف إلى ما هو المقصود، واللفظ الخالي عن القصد لا يسمى بهذه الأسامي قط (1) فإذا لم تشمله الأدلة عموما وخصوصا فيبقى تحت الأصل الأولي، ولا تترتب عليه الثمرة وهو المراد.
ويمكن أن يتمسك في هذا المقام بمثل قوله عليه السلام: (لاعمل إلا بنية) (2) و (إنما الأعمال بالنيات) (3) فإن ظاهر الروايتين: أن ماهية العمل من دون نية غير متحققة، فإما أن يحمل على معناه الحقيقي الظاهر وتكون الأعمال التي تتحقق (4) بغير قصد خارجة عن العموم، وإما أن يحمل على نفي الصحة لأنه أقرب المجازات، فيكون المراد عدم الصحة إلا بالنية، ولا ريب أن عموم (الأعمال) إنما (5) يشمل العقود والإيقاعات أيضا، فيدل على أنها لا تصح بدون القصد وهو المدعى، وحملهما