وإن لم يعلم بذلك، فإن علم أن نهيه لزعم عدم الصداقة يقدم الأذن، لانتفاء علة المنع في الواقع فينتفي المعلول، ولتعاضد الأذن هنا بشاهد الحال، وتقيد النهي - حينئذ - بعدم الصداقة. وإن لم يعلم سبب النهي فالحكم كذلك أيضا، لأن علة النهي - لكونه حادثا - إما زعم عدم الصداقة في الواقع أو غيره، فعلى الأول لا نهي كما مر، وعلى الثاني فالنهي متحقق، وحيث لم يعلم السبب فحصل الشك في المنع، فعموم الأذن باق على حاله. لا يقال: تحقق النهي معلوم، والرفع لا دليل عليه. لأنا نقول: المعلوم: صدور لفظ النهي، وأما التعلق بزيد فلا، ولا إطلاق فيه أيضا، لأن زعم عدم الصداقة مانع من إرادة الإطلاق، أو حالة مقترنة صالحة للتقييد. وإن لم يعلم زيد بعلمه بالصداقة أو عدمها فالأصل عدم علمه، فيكون كما لو لم يعلم الصداقة، ومن هنا يعلم صورة عموم النهي وخصوص الأذن (1).
أقول: صور تعارض الصريح مع مثله أربعة:
أحدها: تعارض التساوي، كقوله: (ادخل في داري، ولا تدخل) أو (صديقي يدخل، صديقي لا يدخل) ولا ريب في كون المتأخر - حينئذ - ناسخا للسابق، سواء كان الأذن متقدما والمنع متأخرا أو بالعكس.
وثانيها: تعارض العموم المطلق مع كون النهي أخص - كما مر مثاله - ولا ريب أن الأذن متى ما ورد على عمومه ثم ورد المنع، فيحتمل كون الثاني من باب النسخ، بمعنى كون الأذن ثابتا في الواقع للكل ثم بعد ذلك منع زيد عن ذلك.
ويحتمل كونه تخصيصا كاشفا عن عدم إرادة زيد في الأول وإرادة ما عداه من العام، وتظهر ثمرة الاحتمالين في الدخول المتخلل بين صدور الأذن والمنع بالنسبة إلى الحكم الوضعي لو بني على الأذن والمنع الواقعي من دون اشتراط الاطلاع. وإثبات التخصيص بهذا المعنى يحتاج إلى فهم العرف كذلك، وهو في الاستثناء ونحوه مسلم، وفيما عدا ذلك - سيما مع تخلل (2) الفصل الطويل - ممنوع.