لا يقال: كما أن الإجازة بالنسبة إلى الحكم الوضعي قد تكون كاشفة وقد تكون ناقلة - كما مر تحقيقه في مباحث الكشف والنقل، ويجئ في هذا البحث أيضا - فكذلك في الحكم التكليفي قد تكون كاشفة وقد تكون ناقلة، بمعنى أن المجيز في التصرف مرة يقول: (إني كنت راضيا بما فعلت في مالي قبل ذلك) ومرة يقول: (الان رضيت بما فعلت) فعلى الأول يكون كاشفا عن إباحة التصرف السابق، وعلى الثاني يجئ وجهان: من احتمال أن يقال: إن رضا المالك شرط في إباحة التصرف، ولم يعلم من ذلك أن كونه مقارنا شرط أم لا، والأصل عدم الشرطية بعد دلالة الدليل على أن الرضا موجب للإباحة، فيكون تصرفه من أول الأمر يبقى مراعى، فإن لحقه الأذن كشف عن الإباحة، وإن لم يلحقه كشف عن التحريم. ومن جهة (1) أن رضا المالك شرط مقارن، والأصل عدم جواز التصرف إلا في هذه الحالة، فلا يكون ذلك كاشفا عن حلية التصرفات السابقة، بل يوجب الحل في اللاحق إن شمله الأذن. وبالجملة: كفى في الكشف وجود فرض واحد، وهو قوله: (إني كنت راضيا بما فعلت حين فعلت) فلم تقول بأن الإجازة اللاحقة لا ترفع الحرمة من الفعل السابق ولو بالكشف؟ مع أن الدليل في هذا الباب هو قوله عليه السلام: (لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفسه) (2) وطيب النفس هو الر ضا، والظاهر منه الواقع، فمتى كان راضيا في الواقع فقد حل، ويكشف عنه إخباره وإجازته بعد ذلك.
لأنا نقول: أما في صورة إخباره عن رضاه في ذلك الوقت فإنه وإن كان يثبت بذلك طيب نفسه ويكون داخلا في الخبر، لكن العلم أيضا شرط في ذلك، فإن لحم الغنم - مثلا - حلال، ولكنك إذا لم تدر بأنه لحم غنم بل دار الأمر بين كونه لحم غنم أو خنزير فلا يجوز أكله حتى تعرف الواقع، أو يدل دليل على جواز أكل المشتبه أيضا، كما ورد في بعض الموارد (3) وأنت متى ما لم تدر بأن المالك راض بهذا