وأما بالنسبة إلى ما بعد صدور الخاص، فإن علم بأنه يعتقد صداقة زيد فلا بحث في اعتبار النهي للكشف عن حالة في نظره مانعة عن ذلك، كما مر. وإن علم أنه يعتقد عدم الصداقة وعلم كون نهيه لهذا الاعتقاد فيؤول الأمر إلى معرفة علة الأذن والمنع في نظره، فيقطع حينئذ برضاه مع كون زيد في الواقع صديقا، ويتقيد نهيه بعدم الصداقة. ولو لم يكن (1) كون النهي لهذا الاعتقاد، فظاهر كلام الفاضل المعاصر بقاء الأذن، نظرا إلى الشك في تعلق النهي باحتمال كونه بزعم عدم الصداقة، فيرجع إلى عموم الأذن (2). وفيه نظر من وجهين:
أحدهما: أن النهي إذا لم يعلم سببه فظاهره يفيد الإطلاق، أي: سواء كان صديقا أم لا، ومجرد زعمه عدم الصداقة لا يمنع من إطلاق اللفظ، إذ لو كان ذلك مانعا لكان احتماله أيضا كافيا، ومن هنا ينفتح باب الإجمال في الألفاظ، إذ كل إطلاق في كلام شخص قابل لأن ينزل على اعتقاده، سواء علم أو شك، ومدار فهم الألفاظ إنما هو على ظواهرها.
وثانيهما: أنه على فرض تسليم ذلك نقول: كما أن اعتقاد عدم صداقة زيد يوجب الشك في تعلق النهي، فكذلك يوجب الشك في إرادته من عموم الأذن، لاحتمال (3) كون تعميمه في الأذن لكل صديق باعتبار زعمه أن زيدا خارج عنهم، بحيث لو كان اعتقد صداقته لم يعمم الأذن، والفرض: أنه لم يعلم كون الصداقة وعدمها علة في الأذن والمنع (4) وإنما هو مورد للحكم، فمتى ما شك في أصل الأذن فينبغي المنع على مقتضى الأصل وإن لم يعلم النهي، فتدبر.
وإن علم إنه لا يعتقد الصداقة ولا عدمها فلا بحث في كون النهي موجبا للمنع، لعدم وجود ما يخرج النهي عن الإطلاق. وفي كلام الفاضل المعاصر ما يدل على كونه كصورة العلم بأنه يعتقد عدم الصداقة ولكن لم يعلم كون النهي لذلك، فإن العلم بعدم الصداقة أعم من كون النهي لذلك.