فقال: (إني اعتقد أن فلانة زوجتي) لكان في إجراء حكم الإقرار على ذلك إشكال، لأن المتبادر من أدلة الإقرار: أن يخبر المقر عن الواقع حتى يثبت الحكم للموضوع تعبدا - بمعنى كون الموضوع المقر به كالواقعي في نظر الشرع - لا أنه يخبر عن اعتقاده فيلزم بما يعتقده، فلو قال: (هذا كذلك (1) باعتقادي) لا نسلم كونه إقرارا، ولو قال: (هذا كذا) كان إقرارا، وإن كان الإنسان غالبا لا يقول إلا ما يعتقده، ولا يلزم فيه المطابقة للواقع.
وعلى فرض كون الأخبار عن الاعتقاد إقرارا فليس ترتب الحكم من جهة كونه معتقدا ذلك، بل من جهة كون الإقرار مثبتا شرعا، سواء كان معتقدا أو لا.
وتظهر الثمرة فيما لو أقر بما ليس بمعتقد به وعلمنا أنه ليس بمعتقد، ولكن لا ندري أنه كاذب أو صادق، كما لو قال: (إني مديون لزيد عشرة) ونعلم أنه ليس معتقدا ذلك، ولكن لا ندري أنه في الواقع مديون أو غير مديون - إذ عدم اعتقاد القائل لا يستلزم الكذب بالمعنى المشهور - فيقبل إقراره ويلزم به وإن علمنا أنه غير معتقد، عملا بعموم إقرار العقلاء.
ودعوى: أن الإقرار إنما ينصرف إلى ما كان معتقدا للمقر أيضا ممنوع بعد صدق اللفظ على ذلك، مع أن كون المقر معتقدا لا يعلم إلا بكون هذا الكلام دالا عليه، إذ لا كاشف عن الاعتقاد غير الألفاظ، والفرض أن قوله: (إني مديون) يدل على الواقع بحسب الوضع، وليس دالا على الاعتقاد، بل هو محتمل العدم كونه معتقدا.
ومما ذكرنا ظهر: أنه لا موقع لما يقال: إن في مثل هذا الإقرار لا يمكن الحكم بثبوت الحق، لا في حق نفسه ولا في حق الغير، لتوقف ثبوت الحق على نفسه على ثبوت الحق على غيره، وهو ممتنع الحصول، والموقوف على الممتنع ممتنع، نظرا إلى أن ثبوت الحق على نفسه في الواقع يتوقف على ثبوت الحق على غيره لمكان الارتباط، وأما الثبوت بمحض التعبد على إشكال فيه كما أوضحناه. نعم،