السابق والنفي لا عبرة به بعد الرجوع عنه، أو بالعكس، فيؤخذ النافي بنفيه ولا يسمع بعد ذلك دعواه، أو يتعارض النفي والأثبات السابقان ويتساقطان ويصير هذا دعوى جديدة يرجع فيه إلى البينة واليمين ولا وجه للإقرار في ذلك؟
ربما يقال: إن الإقرار إذا عارضه نفي المقر له فهو ساقط، لأن عدم المعارض من شرائط النفوذ، نظرا إلى أن الجمع بينهما غير ممكن، والترجيح من دون مرجح قبيح فيتساقطان، مضافا إلى أن اشتغال الذمة المسبب عن الإقرار في الظاهر لو اقتضى وجوب دفع المال وإقراره بالنفي أوجب الامتناع عن الأخذ وعدم جواز الأخذ، لزم من ذلك التكليف بما لا يطاق، فلا وجه لحكم الأصحاب بالثبوت وعدم جواز المطالبة، هكذا أفاده بعض المعاصرين (1). ولكن ذلك محل للنظر من وجوه:
أما أولا: فلما أشرنا إليه من الشبهة في كون النفي داخلا في الإقرار أم لا، سيما إذا كان في مقابله إثبات، ولا دليل على حجية الإنكار بنفسه حتى يلتزم (2) به صاحبه.
وأما ثانيا: فلأنه لو فرض كونه كذلك فلا معارضة هنا، لجواز التزام كل منهما بحكم إقراره، أما المقر بالاشتغال فبالتزام الدفع، وأما المنكر فبعدم المطالبة.
وليس معنى عدم المطالبة عدم الأخذ كما توهمه الفاضل المعاصر (3) حتى يلزم التكليف بما لا يطاق، بل عدم التسلط على الأخذ إذا لم يعطه، فيصير محصله: أن المقر على نفسه بالثبوت يجب عليه الدفع، فإذا دفع جاز للنافي أخذه، لأنه: إما يدري أنه ماله وإما لا يدري به، وعلى كل حال فهو جائز، فإنه إذا دفع إلي أحد مالا وقال: (هذا شئ أنت تطلبه مني وحق لك علي) جاز لي أخذه وإن لم أكن عالما بذلك بلا شبهة، وإذا لم يدفع وعصى لم يجز للثاني (4) إلزامه بالدفع وهو