هنا كلام، وهو: أن المتبادر من عموم (إقرار العقلاء على أنفسهم): كون الإقرار على ضرر نفسه، وأما لو كان على الضرر عليه وعلى غيره فهو غير داخل تحت العموم، إما لأنه ليس فردا من أفراد الإقرار على النفس من جهة كونه حقيقة في صورة الانحصار، وإما لأنه ليس من أفراده الظاهرة وإن كان اللفظ أعم، وعلى كل فشمول العموم لمثله غير معلوم حتى يحتاج إلى التفكيك والجواب والاعتراض.
بل نقول: إن الاقرار متى ما كان كذلك فهو غير مسموع، لعدم شمول الدليل.
قلت: أما أولا: فعلى احتمال كون كلمة (جائز) في الخبر متعلقا للجار يصير المعنى: أن إقرار العقلاء على الإطلاق سواء كان على ضرر نفسه، أو لنفعه، أو لضرر غيره أو لنفعه، أو للمركب من الأمرين بصوره، أو الثلاثة كذلك، أو الأربعة - على ما هو ظاهر الإطلاق - جائز على ضرر نفسه، دون الجهات الأخر، وهذا يشمل هذا الفرد كما يشمل سائره، فإن الإقرار ليس مقيدا بكونه على النفس، بل نفوذه إنما هو في تلك الجهة لا في غيرها، فقولنا: (إقرار العقلاء يمضي على ضرر أنفسهم) ليس في عمومه (1) لمثل هذا الفرض شبهة.
وأما على احتمال كون الجار متعلقا بالإقرار يكون المعنى: إقرار العقلاء القاضي بضرر أنفسهم (2) ماض، سواء كان الضرر مختصا بالنفس أو يعمها وغيرها، وليس في ذلك انصراف إلى الأول. وقوله: (جائز) مبني على الحيثية السابقة، أي:
ماض من جهة الضرر على النفس، فرجع إلى المعنى الأول.
مضافا إلى أن هذه العبارة لو أريد منها الحصر - وهو كون الإقرار على الضرر فقط للنفس لا للغير - لم تشمل ما لو أقر بضرر الغير وضرر نفسه أيضا من دون ارتباط، أو نفع الغير، أو نفع نفسه، أو المركب من الاثنين مع ضرر نفسه، ونحو ذلك، مع أن عموم دليل الإقرار لمثل ذلك مما لا بحث فيه ولا شك يعتريه. وإذا لم يرد منها الحصر، فلا وجه لخروج ما اشتمل على الضررين مع الارتباط بينهما في الواقع ودخول ما عداه من الصور، فتدبر.