وتقريب الاستدلال أن الباغي والعادي والمضطر إن لم يحل لهما الميتة ولا لحم الخنزير ولا الدم، ولم يرخص الله لهما أكل شئ من الميتة والدم ولحم الخنزير، فهل يعقل أن الله الذي لم يرخص لهما أكل شئ من ذلك، ولم يأذن لهما أكل لقمة من الميتة ولحم الخنزير، أن يأذن ويأمر بإطاعتهما، كلا لا يكون أبدا، كما هو واضح.
والله تعالى لا يجيز للمسافر بالسفر الحرام التقصير والإفطار، فكيف يأمر بإطاعته وهذا الأمير الظالم. ومن يعينه ليس لهما القصر والإفطار، فكيف يكون لهما وجوب الطاعة.
وفي صحيح البخاري (1) باب السمع والطاعة للإمام بسندين، عن ابن عمر، عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: السمع والطاعة حق ما لم يؤمر بالمعصية، فإذا أمر بالمعصية فلا سمع ولا طاعة.
فظهر مما ذكرنا أن المراد بالأمر في الآية، الإمامة والولاية الحقة الإلهية والخلافة الربانية، والأمر الإلهي والروح القدسي، وصاحبها هو الذي تتنزل الملائكة والروح في ليلة القدر عليه من كل أمر، وهم أولو الأمر الذين يستنبطون ويستخرجون علوم القرآن كما قال سبحانه وتعالى: * (ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم) * - الآية، ولا يعقل وجوب الرد إليهم بدون إيجاب إطاعتهم فيما يقولون، وهم المؤيدون المختصون بالروح من الأمر المذكور في الآيات.
وأيضا يقال: مقتضى الجمع بين الآيتين أن أولي الأمر هم العلماء المستنبطون منهم، يستنبطون الأحكام من القرآن إذ ليس لنا ما يستنبط منه الأحكام غير القرآن في كل مورد التنازع والاختلاف، وهم بعض المؤمنين لا كلهم بالضرورة والوجدان، وصريح القرآن وهذا البعض العالم المستنبط أولو الأمر منهم، وهم