وسادسا: أن احتمال العهد إنما هو مع مطابقة الحكم في السابق واللاحق، - كما في مثال البيت والثوب الذي ذكره - وأما مع اختلاف الحكم فلا نسلم الانصراف، كما لو قال: (يجوز لك غسل الأثواب الخمسة) ثم ذكر بعد ذلك (يجب غسل الأثواب) ونظير (1) ذلك، ولم يثبت عندنا سبق الحكم بالعقود الفقهية ونحو ذلك من التكاليف بالأمر بالوفاء حتى ينصرف هذا الأمر إليه، وإنما سبق كونه حلالا وحرما أو صحيحا وفاسدا ونحو ذلك، ووجوب الوفاء حكم جديد وإن كان مستلزما لبعض ما سبق، وهذا غير ما ذكره من المثال، وبينهما فرق.
وسابعا: أن إرادة العهد من الآية بعد بيان الحكم سابقا يصير تأكيدا لما مضى من الأدلة على الأحكام، ويحتاج إلى ارتكاب التناسي وغير ذلك، ولا ريب أن التأسيس أولى من التأكيد، وهذا مما يؤيد عدم الاختصاص بالعهود الإلهية - كما أشعر به كلام المورد - إذ العهود الإلهية يعرف لزومها وعدمها من دليلها المثبت للأحكام وجوبا وتحريما، ولا يحتاج إلى قوله: (أوفوا بالعهود).
وثامنا: أن ظاهر كلام أهل التفسير عدم إرادة العهد - كما ذكرناها آنفا - وهذا من عمدة القرائن على ذلك، فإنهم وإن اختلفوا في تفسيره ومعناه، لكنهم لم يختلفوا من حيثية إرادة ما سبق قبل سورة المائدة، أو الأعم.
وتاسعا: أن إطباق الأصحاب على التمسك بها يكشف عن عموم الآية وعدم كون ما يتخيل كونه صارفا صارفا، فلا وجه للتمسك والانجماد بمجرد الاحتمال البارد.
وما ذكره: من كون ما بعد الآية مضعفا لعمومه، إن اعتمد في ذلك على مقتضى العرف واللغة فأي قاعدة تدل على ذلك؟ إذ ذكر بعض أفراد العموم بعده لا يوجب انحصاره فيها، بل يدل على دخولها فيه جزما، كما لا يخفى على من لاحظ العرف.
مضافا إلى أن ظاهر كلامه احتمال الحمل على ما سبق، بل ظهوره، فكيف يعقل انحصاره فيما ذكر بعده من الأحكام القليلة؟ وهذا مما يدل على ضعف الكلام