تفاصيل الأحكام.
وبيان ذلك: أن المولى إذا أعطى لعبيده كل واحد منهم شيئا من الأمتعة والأموال ثم قال: (كل واحد منكم مسلط على ما أعطيته إياه) ولم يقيد التسلط بشئ دون شئ، يفهم أنه لو باعه أو ملكه غيره أو آجره أو شرك فيه - أو نحو ذلك - فكلها مقبولة عند المولى، فيصير المعنى في عموم تسلط الناس على أموالهم: أن كل ما يتصرفون فيه بحسب ما يريدون مقبول عند الشارع، بمعنى: أنه جعل لهم هذه التصرفات وأمضى لهم ذلك.
واحتمال أن يراد: تسلطهم على أموالهم في الأكل والشرب واللبس والركوب - ونظائر ذلك من التصرفات والانتفاعات - لا يساعد عليه الاطلاق، إذ ليس هناك تشكيك حتى ينصرف إلى ما ذكر، ولا قرينة صارفة عن الإطلاق. ولا ريب أن البيع ونحوه أيضا من طرق الانتفاع بالمال والتصرف فيه، وقد سلطه (1) الشارع على ذلك على الإطلاق.
ودعوى التسلط مع بقاء المال على ما ليته له، مدفوعة بأنه خلاف الظاهر.
كما أنه لو قيل: بأن الظاهر من الرواية ورودها في بيان أصل التسلط في الجملة وليس واردا في مقام بيان الأذن في التصرفات حتى يتمسك بإطلاقه، فالمراد منه: تسلطهم على ما لهم على نحو ما قرره الشارع من أنواع التصرفات وطرقها، فلا يكون عموم التسلط مثبتا لصحة معاملة مشكوكة، بل معناه: أن كل طريق قررناه للتصرفات وأمضيناه في ترتب الآثار فالناس مسلطون في أموالهم بالتصرف على تلك الطرق ولا حجر عليهم في ذلك.
أجبنا عنه: بأن انصراف التسلط على الطرق المقررة غير ظاهر من اللفظ، ولم يقم على ذلك قرينة، بل الظاهر عند التأمل كون مثل هذه العبارة إنشاءا لإمضاء تصرف المالك أي نحو أراد، فمقتضاه: أن كل نحو تصرفوا فيه فهو مقبول عندي وممضى، وليس معنى الصحة إلا ذلك.