بل لابد من علم المخاطبين بذلك، ولا نسلم ان المشافهين بخطاب (أوفوا بالعهود) الحاضرين في مجلس الوحي كانوا كلهم عالمين بما سبق من العهود، سيما على القول بشمول خطابات القرآن للغائبين أيضا وإن لم نقل بالمعدومين. ومجرد سبق الذكر بالنسبة إلى بعض لا يوجب صارفا بالنسبة إلى الكل، وتوجه الخطاب بالنسبة إلى الملتفت إلى القرينة وغيره (1) يكشف عن إرادة الحقيقة، كما أن توجه الخطاب المطلق إلى الواجد للشرط والفاقد يدل على عدم الشرطية.
وثالثا: أن سبق الذكر لو سلم في الجميع لا يكفي أيضا إلا مع بقائه في الذهن إلى حين الخطاب، وإلا فلا يكفي في كونه قرينة - كما هو واضح - وهو غير ثابت هنا، وإثبات مثل ذلك بالاستصحاب ونحوه كما ترى!
ورابعا: أن استدلال الأصحاب إنما هو في العقود بين الناس، ولا ريب في وجودها بين العهود السابقة المعهودة، ولا يحتاج إلى العموم، إذ ليس لأحد أن يقول: كان بعض من هذه العقود غير متعارفة إلى وقت نزول سورة المائدة، فلو أريد العهود السابقة المعهودة - سواء كان من الله تعالى أو من الناس - لدخل محل بحث الأصحاب فيه.
وخامسا: أن المراد بسبق الذكر الموجب للعهد في ظاهر كلام المورد إنما هو بيان حكمه من الله تعالى، كأحل الله البيع (2) ونحوه، ويحتمل بقاء بعض من العقود غير معلوم الحكم فعلم بعد سورة المائدة، فلا يشمله الآية. وهذا مناقض لكلامه، لأنه سلم إرادة العموم من الآية في التكاليف والأحكام الوضعية والعقود بين الناس ونحو ذلك.
وهذا الإشكال ناظر إلى عدم كون العقود الفقهية داخلا في العهود، بل أحكامها الثابتة من الله تعالى - من الحلية والصحة ونحو ذلك - داخلة فيها، وهو خلاف الفرض