وثانيها: قيام سيرة المسلمين - قديما وحديثا - على ذلك، بحيث صار من جملة الضروريات يعرفه الصبيان والنساء، وهذه طريقة قديمة متصلة بزمن المعصومين [عليهم السلام] فتكشف عن تقرير صاحب الشريعة، لبعد عدم اطلاعهم على ذلك مع انتشار المعاطاة في البلدان في مدة مائتي سنة، بل أزيد ولم يصدر في ذلك منع عن صاحب الشريعة، ولم يكن هذا مقام تقية، ولا شئ آخر يوجب عدم الردع، وهذه أمارة لا تنكر.
وثالثها: أن الأدلة الواردة على حلية البيع والإجارة ونحوهما من العقود السابقة ربما يدعى شمولها للمعاطاة، فيندرج (1) تحت الأدلة الخاصة أيضا، ويفيد (2) الفائدة كالعقد اللفظي وإن افترق (3) في أحكام اخر بإجماع أو غيره من الأدلة، كما سيفصل إن شاء الله تعالى.
وبالجملة: مشروعية المعاطاة في الجملة مما لا يمكن إنكاره.
نعم، هنا كلام، وهو أن عمدة الأدلة في المعاطاة إنما هو السيرة، والقدر الثابت منها إنما هو في المحقرات دون الأمور الجليلة، فكيف تدعى الشرعية على العموم؟
والجواب أولا: أنه لا قائل بالفرق بين أصحابنا وإن قال به بعض العامة (4) بل إجماع الأصحاب على أنه مثمر للثمر مطلقا، فلا وجه للتخصيص بالمحقر.
وثانيا: نمنع اختصاص السيرة بالمحقرات، بل نقول: إن السيرة محققة في الأشياء الجليلة - كبيع الحيوان وغير ذلك - ومجرد التزام الناس بإجراء العقد في بعض الأشياء - كالعقارات ونحوه - لا يقتضي عدم اعتبارهم المعاطاة، بل الظاهر أن الالتزام بالصيغة في ذلك إنما هو لفائدة اللزوم أو التملك (5) لو قلنا بأن ا لمعاطاة لا تفيده، لا من جهة أن المعاطاة لا تثمر في التصرف (6) أو التملك، فتدبر.