فإذا كان المعاطاة إنما هو السبب في ذلك، فنقول: لا ريب أن النكاح إنما هو تمليك للانتفاع بالبضع، أو تمليك للمنفعة على أحد الوجهين، ولا ريب أنه كما يحقق بعد ذلك أن المعاطاة لا تتحقق بقبض العوضين أو بقبض العوض المقصود من تلك المعاملة - كالمبيع في البيع والعين المستأجرة في الإجارة ونحو ذلك - فلا تتحقق المعاطاة في النكاح إلا بإعطاء المهر وقبض منفعة البضع، وبعد ذلك لا شئ هنا حتى يفيد المعاطاة إباحته أو تمليكه، ولازم ذلك وقوع الوطئ أو الاستمتاع الأول محرما، لأنه من دون سبب محلل، والمعاطاة تحصل بعد ذلك فأين السبب المحلل للانتفاع بالبضع؟
لا يقال: فكيف تقول في سائر أنواع المعاطاة في سائر المعاوضات فإن هناك أيضا تتحقق المعاطاة بعد الأخذ؟
لأنا نقول: إن هناك تعلقت المعاوضة بالأموال وهي قابلة للتسليط، فإن للمالك أن يقبض ماله لغيره، سواء كان هنا معاطاة أم لا، فإذا قبضه فهو قبض سائغ لا مانع منه، ويتحقق بذلك الإباحة في التصرف بعد ذلك، أو التمليك - على أحد الوجهين - بخلاف النكاح، فإنه ليس للمرأة تمليك نفسها وتقبيض بضعها إلا بسبب محلل، فإذا توقف التقبيض على محلل كيف يكون بنفسه؟ ولا يمكن أن يقال: إن التقابض يوجب تحليل التصرفات اللاحقة، فإن الكلام في كون الوطئ حلالا أو لا؟ وكيف يعقل كون الحرام محللا لشئ، آخر؟
فإن قلت: ليس النكاح إلا كسائر عقود المنافع - كالإجارة ونحوه (1) - إذ لا ريب أن المعاطاة فيها لا تستلزم استيفاء المنفعة بتمامها، بل القبض للعين قبض للمنفعة، فليكن هنا أيضا قبض الزوجة قبضا للبضع، فيكون معاطاة محللا للانتفاع.
قلت أولا: إن قبض العين قبض المنفعة فيما لو كان العين من الأمور التي تدخل تحت اليد كالحيوان أو الدار (2) ونحو ذلك. وأما في ما لا يدخل تحت اليد - كما في الأجير - فليس قبض عينه قبضا للمنفعة، ولذلك لا يجب إقباض الأجرة