الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلقهم، فإن الكلام في بعثهم لا في خلقهم، والمشركون معترفون بأن خالقهم هو الله سبحانه.
وقيل: ضمير * (مثلهم) * للسماوات والأرض، فإنهما تشملان ما فيهما من العقلاء، فأعيد إليهما ضمير العقلاء تغليبا، فالمراد أن الله الخالق للعالم قادر على خلق مثله. وفيه: أن المقام مقام إثبات بعث الإنسان لا بعث السماوات والأرض. على أن الكلام في الإعادة وخلق مثل الشئ ليس إعادة لعينه بل بالضرورة.
فالحق أن يقال: إن المراد بخلق مثلهم إعادتهم للجزاء بعد الموت كما يستفاد من كلام الطبرسي (رحمه الله) في مجمع البيان.
بيانه أن الإنسان مركب من نفس وبدن، والبدن في هذه النشأة في معرض التحلل والتبدل دائما، فهو لا يزال يتغير أجزاؤه، والمركب ينتفي بانتفاء أحد أجزائه، فهو في كل آن غيره في الآن السابق بشخصه، وشخصية الإنسان محفوظة بنفسه - روحه - المجردة المنزهة عن المادة والتغيرات الطارئة من قبلها المأمونة من الموت والفساد.
والمتحصل من كلامه تعالى: أن النفس لا تموت بموت البدن، وأنها محفوظة حتى ترجع إلى الله سبحانه كما تقدم استفادته من قوله تعالى:
* (وقالوا أإذا ضللنا في الأرض أإنا لفي خلق جديد بل هم بلقاء ربهم كافرون قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ثم إلى ربكم ترجعون) * (1).
فالبدن اللاحق من الإنسان إذا اعتبر بالقياس إلى البدن السابق منه كان مثله لا عينه، لكن الإنسان ذا البدن اللاحق إذا قيس إلى الإنسان ذي البدن السابق كان عينه لا مثله، لأن الشخصية بالنفس وهي واحدة بعينها.
ولما كان استبعاد المشركين في قولهم: * (من يحيي العظام وهي رميم) * راجعا إلى خلق البدن الجديد دون النفس، أجاب سبحانه بإثبات إمكان خلق مثلهم، وأما عودهم بأعيانهم فهو إنما يتم بتعلق النفوس والأرواح المحفوظة عند الله بالأبدان المخلوقة جديدا، فتكون الأشخاص الموجودين في الدنيا من الناس بأعيانهم كما قال تعالى: * (أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يعي بخلقهن بقادر على أن يحيي الموتى) * (2) فعلق الإحياء على الموتى بأعيانهم فقال: * (على أن يحيي الموتى) * ولم يقل: على أن يحيي أمثال الموتى (3).
[2973] كيفية المعاد الكتاب * (أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها قال أنى أيحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوما أو بعض يوم قال بل لبثت مائة عام فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس وانظر إلى العظام