أنفس وأبهى، فقال تعالى: * (وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب وإن الدار الآخرة لهي الحيوان) * (1) فعد الحياة الدنيا لعبا لا بنية له إلا الخيال، ولا شأن له إلا أن يشغل الإنسان عما يهمه، وهي الدار الآخرة وسعادة الإنسان الدائمة التي لها حقيقة الحياة، والمراد بالحياة الدنيا إن كان هو عين ما نسميه حياة - دون ما يلحق بها من الشؤون الحيوية من مال وجاه وملك وعزة وكرامة ونحوها، فكونها لعبا ولهوا مع ما نراها من الحقائق يستلزم كون الشؤون الحيوية لعبا ولهوا بطريق أولى، وإن كان المراد الحياة الدنيوية بجميع لواحقها فالأمر أوضح.
فهذه السنن الاجتماعية والمقاصد التي يطلب بها من عز وجاه ومال وغيرها، ثم الذي يشتمل عليه التعليم الديني، من مواد ومقاصد هدانا الله سبحانه إليها بالفطرة ثم بالرسالة - مثلها كمثل اللعب الذي يضعه الولي المربي العاقل للطفل الصغير الذي لا يميز صلاحه من فساده وخيره من شره ثم يجاريه فيه ليروض بدنه ويروح ذهنه ويهيئه لنظام العمل وابتغاء الفوز به، فالذي يقع من العمل اللعبي هو من الصبي لعب جميل يهديه إلى حد العمل، ومن الولي حكمة وعمل جدي ليس من اللعب في شئ.
وقال تعالى: * (وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين * وما خلقناهما إلا بالحق ولكن أكثرهم لا يعلمون) * (2) والآية قريبة المضمون من الآية السابقة.
ثم شرح تعالى كيفية تأدية هذه التربية الصورية إلى مقاصدها المعنوية في مثل عام ضربه للناس، فقال: * (أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله كذلك يضرب الله الحق والباطل فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض) * (3).
فظهر من بيانه تعالى: أن بين العمل والجزاء رابطة حقيقية وراء الرابطة الوضعية الاعتبارية التي بينهما عند أهل الاجتماع، ويجري عليها ظاهر تعليمه تعالى (4).
[2938] العمل خليل لا يفارق الإنسان - رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن لأحدكم ثلاثة أخلاء:
منهم من يمتعه بما سأله فذلك ماله، ومنهم خليل ينطلق معه حتى يلج القبر ولا يعطيه شيئا ولا يصحبه بعد ذلك فأولئك قريبه، ومنهم خليل يقول: والله أنا ذاهب معك حيث ذهبت ولست مفارقك! فذلك عمله إن كان خيرا وإن كان شرا (5).
- عنه (صلى الله عليه وآله): يتبع الميت ثلاثة: أهله وماله وعمله، فيرجع اثنان ويبقى واحد، يرجع أهله