فبعض التدبير وهو التدبير العام الكلي يعلو بعضا، بمعنى أنه بحيث لو انقطع عنه ما دونه بطل ما دونه لتقومه بما فوقه، كما أنه لو لم يكن هناك عالم أرضي أو التدبير الذي يجري فيه بالعموم لم يكن عالم إنساني ولا التدبير الذي يجري فيه بالخصوص.
ولازم ذلك أن يكون الإله - الذي يرجع إليه نوع عال من التدبير - عاليا بالنسبة إلى الإله الذي فوض إليه من التدبير ما هو دونه وأخص منه وأخس، واستعلاء الإله على الإله محال.
لا لأن الاستعلاء المذكور يستلزم كون الإله مغلوبا لغيره، أو ناقصا في قدرته محتاجا في تمامه إلى غيره، أو محدودا والمحدودية تفضي إلى التركيب، وكل ذلك من لوازم الإمكان المنافي لوجوب وجود الإله، فيلزم الخلف - كما قرره المفسرون - فإن الوثنيين لا يرون لآلهتهم من دون الله وجوب الوجود، بل هي عندهم موجودات ممكنة عالية فوض إليهم تدبير أمر ما دونها، وهي مربوبة لله سبحانه وأرباب لما دونها، والله سبحانه رب الأرباب وإله الآلهة وهو الواجب الوجود بالذات وحده.
بل استحالة الاستعلاء إنما هو لاستلزامه بطلان استقلال المستعلى عليه في تدبيره وتأثيره، إذ لا يجامع توقف التدبير على الغير والحاجة إليه الاستقلال، فيكون السافل منها مستمدا في تأثيره محتاجا فيه إلى العالي، فيكون سببا من الأسباب التي يتوسل بها إلى تدبير ما دونه، لا إلها مستقلا بالتأثير دونه فيكون ما فرض إلها غير إله، بل سببا يدبر به الأمر، هذا خلف (1).
[2626] ما يلزم من تعدد الآلهة (2) الكتاب لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا فسبحان الله رب العرش عما يصفون (2).
- الإمام الصادق (عليه السلام) - لما سئل عن الدليل على أن الله واحد؟ -: اتصال التدبير، وتمام الصنع، كما قال الله عز وجل: * (لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا) * (3).
- عنه (عليه السلام) - في رسالة الإهليلجة -:
فعرف القلب بعقله أنه لو كان معه شريك كان ضعيفا ناقصا، ولو كان ناقصا ما خلق الإنسان، ولا اختلفت التدابير، وانتقصت الأمور مع التقصير الذي به يوصف الأرباب المتفردون والشركاء المتعاينون (4).
في تفسير الميزان في قوله تعالى: * (لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا فسبحان الله رب العرش عما يصفون) *: قد تقدم في تفسير سورة هود وتكررت الإشارة إليه بعده أن النزاع بين الوثنيين والموحدين ليس في وحدة الإله وكثرته بمعنى الواجب الوجود الموجود لذاته الموجد لغيره، فهذا مما لا نزاع في أنه واحد لا شريك