والدليل على أن النفس التي هي حقيقة الإنسان محفوظة عند الله مع تفرق أجزاء البدن وفساد صورته قوله تعالى: * (وقالوا أإذا ضللنا في الأرض أإنا لفي خلق جديد بل هم بلقاء ربهم كافرون قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم) * (1) حيث استشكلوا في المعاد بأنه تجديد للخلق بعد فناء الإنسان بتفرق أجزاء بدنه، فأجيب عنه بأن ملك الموت يتوفى الإنسان ويأخذه تاما كاملا فلا يضل ولا يتلاشى، وإنما الضال بدنه ولا ضير في ذلك، فإن الله يجدده.
والدليل على أن الإنسان المبعوث هو عين الإنسان الدنيوي لا مثله: جميع آيات القيامة الدالة على رجوع الإنسان إليه تعالى وبعثه وسؤاله وحسابه ومجازاته بما عمل.
فهذا كله يشهد على أن المراد بالمماثلة ما ذكرناه، وإنما تعرض لأمر البدن حتى ينجر إلى ذكر المماثلة محاذاة لمتن ما استشكلوا به من قولهم: * (أإذا كنا عظاما ورفاتا أإنا لمبعوثون خلقا جديدا) * فلم يضمنوا قولهم إلا شؤون البدن لا النفس المتوفاة منه، وإذا قطع النظر عن النفس كان البدن مماثلا للبدن، وإن كان مع اعتبارها عينا.
وذكر بعضهم: أن المراد بمثلهم نفسهم، فهو من قبيل قولهم: مثلك لا يفعل هذا، أي أنت لا تفعله. وللمناقشة إليه سبيل.
والظاهر أن العناية في هذا التركيب أن مثلك - لاشتماله على مثل ما فيك من الصفة - لا يفعل هذا، فأنت لا تفعله لمكان صفتك، ففيه نفي الفعل بنفي سببه على سبيل الكناية، وهو آكد من قولنا: أنت لا تفعله (2).
قوله تعالى: * (أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاق العليم) * الاستفهام للإنكار، والآية بيان للحجة السابقة المذكورة في قوله:) * قل يحييها الذي أنشأها أول مرة...) * إلخ، ببيان أقرب إلى الذهن، وذلك بتبديل إنشائهم أول مرة من خلق السماوات والأرض الذي هو أكبر من خلق الإنسان، كما قال تعالى: * (لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس) * (3).
فالآية في معنى قولنا: وكيف يمكن أن يقال:
إن الله - الذي خلق عوالم السماوات والأرض بما فيها من سعة الخلقة البديعة، وعجيب النظام العام المتضمن لما لا يحصى من الأنظمة الجزئية المدهشة للعقول المحيرة للألباب، والعالم الإنساني جزء يسير منها - لا يقدر أن يخلق مثل هؤلاء الناس؟! بلى وإنه خلاق عليم.
والمراد بمثلهم قيل: هم وأمثالهم. وفيه:
أنه مغاير لمعنى " مثل " على ما يعرف من اللغة والعرف.
وقيل: المراد بمثلهم هم أنفسهم بنحو الكناية، على حد قولهم: مثلك غني عن كذا، أي أنت غني عنه. وفيه: أنه لو كان كناية لصح التصريح به، لكن لا وجه لقولنا: أوليس