سقوط آثار الحياة من شئ محفوظ - وحياة هي تجدد تلك الآثار بعد سقوطها، وقد تحقق الإحياء في الأرض والنبات، وحياة الإنسان وغيره من ذوي الحياة مثلها، وحكم الأمثال فيما يجوز وفيما لا يجوز واحد، فإذا جاز الإحياء في بعض هذه الأمثال - وهو الأرض والنبات - فليجز في البعض الآخر (1).
وقال في قوله تعالى: * (فأحيينا به الأرض بعد موتها) *: وأنبتنا فيها نباتا بعد ما لم تكن، ونسبة الإحياء إلى الأرض وإن كانت مجازية لكن نسبته إلى النبات حقيقية، وأعمال النبات من التغذية والنمو وتوليد المثل وما يتعلق بذلك أعمال حيوية تنبعث من أصل الحياة.
ولذلك شبه البعث وإحياء الأموات بعد موتهم بإحياء الأرض بعد موتها، أي إنبات النبات بعد توقفه عن العمل وركوده في الشتاء، فقال: * (كذلك النشور) *، أي البعث، فالنشور بسط الأموات يوم القيامة بعد إحيائهم وإخراجهم من القبور (2).
[2972] الدليل الخامس لاثبات المعاد الكتاب * (أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يعي بخلقهن بقادر على أن يحيي الموتى بلى إنه على كل شئ قدير) * (3).
* (أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض قادر على أن يخلق مثلهم وجعل لهم أجلا لا ريب فيه فأبى الظالمون إلا كفورا) * (4).
(انظر) يس 81.
التفسير:
قوله تعالى: * (أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض قادر على أن يخلق مثلهم...) * إلى آخر الآية، احتجاج منه تعالى على البعث بعد الموت، فقد كان قولهم: * (أإذا كنا عظاما ورفاتا أإنا لمبعوثون خلقا جديدا) * استبعادا مبنيا على إحالة أن يعود هذا البدن الدنيوي - بعد تلاشيه وصيرورته عظاما ورفاتا - إلى ما كان عليه بخلق جديد، فاحتج عليهم بأن خلق البدن أولا يثبت القدرة عليه وعلى مثله الذي هو الخلق الجديد للبعث، فحكم الأمثال واحد.
فالمماثلة إنما هي من جهة مقايسة البدن الجديد من البدن الأول مع قطع النظر عن النفس التي هي الحافظة لوحدة الإنسان وشخصيته، ولا ينافي ذلك كون الإنسان الأخروي عين الإنسان الدنيوي لا مثله، لأن ملاك الوحدة والشخصية هي النفس الإنسانية، وهي محفوظة عند الله سبحانه غير باطلة ولا معدومة، وإذا تعلقت بالبدن المخلوق جديدا كان هو الإنسان الدنيوي، كما أن الإنسان في الدنيا واحد شخصي باق على وحدته الشخصية مع تغير البدن بجميع أجزائه حينا بعد حين.