وكان إطلاقهم له على علم الآخرة وأحكام القلب أكثر، فثار من هذا التخصيص تلبيس بعض الناس على التجرد له والإعراض عن علم الآخرة وأحكام القلب ووجدوا على ذلك معينا من الطبع، فإن علم الباطن غامض والعمل به عسير والتوصل به إلى طلب الولاية والقضاء والجاه والمال متعذر، فوجد الشيطان مجالا لتحسين ذلك في القلوب بواسطة تخصيص اسم الفقه الذي هو اسم محمود في الشرع (1).
وقال الشهيد الثاني رضوان الله تعالى عليه في منية المريد:... إن مجرد تعلم هذه المسائل المدونة ليس هو الفقه عند الله تعالى، وإنما الفقه عند الله تعالى بإدراك جلاله وعظمته، وهو العلم الذي يورث الخوف والهيبة والخشوع ويحمل على التقوى ومعرفة الصفات المخوفة فيجتنبها والمحمودة فيرتكبها ويستشعر الخوف ويستثير الحزن كما نبه الله تعالى عليه في كتبه بقوله: * (فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم) * والذي يحصل به الإنذار غير هذا العلم المدون، فإن مقصود هذا العلم حفظ الأموال بشروط المعاملات، وحفظ الأبدان بالأموال، وبدفع القتل والجراحات والمال... وإنما العلم المهم هو معرفة سلوك الطريق إلى الله تعالى وقطع عقبات القلب التي هي الصفات المذمومة وهي الحجاب بين العبد وبين الله تعالى، فإذا مات ملوثا بتلك الصفات كان محجوبا عن الله تعالى، ومن ثم كان العلم موجبا للخشية (2).
[3241] من هو الفقيه - الإمام علي (عليه السلام): ألا أخبركم بالفقيه حق الفقيه؟: من لم يرخص الناس في معاصي الله، ولم يقنطهم من رحمة الله، ولم يؤمنهم من مكر الله، ولم يدع القرآن رغبة عنه إلى ما سواه (3).
- عنه (عليه السلام): الفقيه كل الفقيه من لم يقنط الناس من رحمة الله، ولم يؤيسهم من روح الله، ولم يؤمنهم من مكر الله (4).
- الإمام الباقر (عليه السلام) - وقد سأله رجل فأجابه، فقال الرجل: إن الفقهاء لا يقولون هذا -:
يا ويحك وهل رأيت فقيها قط؟! إن الفقيه حق الفقيه الزاهد في الدنيا، الراغب في الآخرة، المتمسك بسنة النبي (صلى الله عليه وآله) (5).
[3242] ما به كمال الفقه - رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا يفقه العبد كل الفقه حتى يمقت الناس في ذات الله، وحتى لا يكون أحد أمقت من نفسه (6).