بخصوصيات العلل والأسباب التي تكون وجود الإنسان من الكون العام.
وهذا معنى كون الدين فطريا، أي أنه مجموع أحكام وقوانين يرشد إليها وجود الإنسان بحسب التكوين. وإن شئت فقل: سنن يستدعيها الكون العام، فلو أقيمت أصلحت المجتمع وبلغت بالأفراد غايتها في الوجود وكمالها المطلوب، ولو تركت وأبطلت أفسدت العالم الإنساني وزاحمت الكون العام في نظامه.
وأن هذه الأحكام والقوانين سواء كانت معاملية اجتماعية تصلح بها حال المجتمع ويجمع بها شمله أو عبادية تبلغ بالإنسان غاية كماله من المعرفة والصلاح في مجتمع صالح فإنها جميعا يجب أن يتلقاها الإنسان من طريق نبوة إلهية ووحي سماوي لا غير.
وبهذه الأصول الماضية يتبين أن التكليف الإلهي يلازم الإنسان ما عاش في هذه النشأة الدنيوية سواء كان في نفسه ناقصا لم يكمل وجودا بعد أو كاملا علما وعملا. أما لو كان ناقصا فظاهر، وأما لو كان كاملا فلأن معنى كماله أن يحصل له في جانبي العلم والعمل ملكات فاضلة يصدر عنها من الأعمال المعاملية ما يلائم المجتمع ويصلحه ويتمكن من كمال المعرفة وصدور الأعمال العبادية الملائمة للمعرفة كما تقتضيه العناية الإلهية الهادية للإنسان إلى سعادته.
ومن المعلوم أن تجويز ارتفاع التكليف عن الإنسان الكامل ملازم لتجويز تخلفه عن الأحكام والقوانين. وهو فيما يرجع إلى المعاملات يوجب فساد المجتمع والعناية الإلهية تأباه. وفيما يرجع إلى العبادات يوجب تخلف الملكات عن آثارها، فإن الأفعال مقدمات معدة لحصول الملكات ما لم تحصل، وإذا حصلت عادت تلك الأفعال آثارا لها تصدر عنها صدورا لا تخلف فيه.
ومن هنا يظهر فساد ما ربما يتوهم أن الغرض من التكليف تكميل الإنسان وإيصاله غاية وجوده، فإذا كمل لم يكن لبقاء التكليف معنى.
وجه الفساد: أن تخلف الإنسان عن التكليف الإلهي، وإن كان كاملا في المعاملات يفسد المجتمع وفيه إبطال العناية الإلهية بالنوع، وفي العبادات يستلزم تخلف الملكات عن آثارها، وهو غير جائز، ولو جاز لكان فيه إبطال الملكة وفيه أيضا إبطال العناية. نعم بين الإنسان الكامل وغيره فرق في صدور الأفعال وهو أن الكامل مصون عن المخالفة لمكان الملكة الراسخة بخلاف غير الكامل، والله المستعان (1).
(انظر) البحار: 5 / 318 باب 16.
[3508] لا يكلف الله نفسا إلا وسعها الكتاب * (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت) * (2).
(انظر) الأنعام: 152، الأعراف: 42، المؤمنون:
62، الطلاق: 7، البقرة: 233.