وثانيهما: أن يكون المراد: بناء كون قوله على وفق الواقع واقعا وفعله على طبق الشرع واقعا، ولازمه ترتيب جميع الآثار عليه في نظر الغير ما لم يعلم بعيبه تعبدا.
وهذا المعنى أيضا ظاهر من بعض أخبار المقام وأدلة الباب، كما أشرنا إليه.
وما ذكره (1) من المعارضات أيضا بعد معونة ما أشرنا إليه لا يعارض ذلك إلا في بعض ما مر. ولكن هذا المعنى غير معهود من الأصحاب، إذ لم يجعل أحد منهم فعل المسلم بمجرده وقوله دليلا على الواقع، بمعنى: كون صدور ذلك من المسلم كافيا في الحكم فيما اشتبه حكمه في الشرع.
نعم، لو كان هناك صورتان: إحداهما موافقة للشرع صحيحة، والأخرى مخالفة له فاسدة، وقد علم حكمهما من الشرع ولم يعلم أن هذا الفعل الصادر عن المسلم من أي الصورتين فيبنى أنه في الواقع من أفراد الصورة الصحيحة دون الفاسدة. وبعبارة أخرى: إذا فعل المسلم فعلا - كمن ترك في الصلاة جزءا، أو احتقن بالمائع في شهر رمضان، أو ابتاع مالا بمال - فإن كان هذا الفرض من مشتبه الحكم شرعا ففعل المسلم لا يكون دليلا على صحته في الواقع والتمسك بسيرة الناس لكشفه عن تقرير المعصوم. وإن كان مما اشتبه موضوعه بعد العلم بوجود فرض صحة لهذا الفعل وفرض فساد فيبنى على الصحة، وبمعناه الحل والحرمة. وهذا لا مانع منه، والحكم بأن هذا من الفروض الصحيحة المحللة واقعا لا معارض له في شئ مما ذكره من النصوص، كما لا يخفى على من راجع.
والأصحاب لم يعرضوا عن هذا المعنى إلا في باب التنازع والخلاف، وإلا ففي ما عدا ذلك عملوا به، وفي باب الشهادة دل الدليل على التعدد، أو أنهم لم يعملوا بكون القول كاشفا عن الواقع مطلقا، أو لأنهم فهموا من ذلك الخلو عن المعارض، وفي مقام التنازع يتعارض القولان ويتساقطان ويحتاج إلى شئ آخر.