ومن هنا سرى الشبهة لبعض المتفقهة في صورة دعوى الزوجة المهر مع اتفاقهما على العقد والدخول وإنكار الزوج اشتغال ذمته. والمسألة لا تخص النكاح، بل كل عقد معاوضة إذا أقر به المتعاقدان وأنكر أحدهما وصول العوض إليه، كما لو قال البائع: هل بعتك هذا المال بعشرة؟ فقال: نعم بعتني بذلك، فقال: خذ مالك وأعطني العشرة، فقال: هذا مالي ولاحق لك علي، فإنهم توهموا أن الإقرار بالعقد والدخول يوجب شغل الذمة قطعا، فالنزاع يصير في حصول البراءة بعد الاشتغال، لا في أصل المشغولية، وقس على ذلك سائر العقود.
ولكنه ليس كذلك، إذ مجرد العقد لا يوجب شغل الذمة، وكذا مع الدخول، لاحتمال كون العقد وقع على عين هي مقبوضة في يد الزوجة أو البائع، ولا يلزم حينئذ كون ذمته مشغولة. وكذا يجوز أن يكون العقد على مال ثابت في ذمة الزوجة أو البائع، فوقوع العقد أوجب سقوطه عن ذمتهما، ولم تشتغل ذمة الزوج ولا المشتري.
ومن ذلك ظهر لك: أن دعوى السبب لابد أن يكون على نحو يوجب الشغل، فهذا في الحقيقة لا يكون دعوى، لأن الدخول والعقد على فرض اتفاقهما عليهما لا يثمر في شئ، فلابد من دعوى اشتغال الذمة أو سبب يوجب الاشتغال.
وكذا دعوى كل شئ يعارض الاستصحاب، كدعوى البراءة عن ذمة مشغولة، أو دعوى موت حي، أو انقضاء أجل ثابت بأصل الشرع أو مجعول معين من المكلفين، أو دعوى بلوغ، أو طريان جنون، أو عروض غفلة ونحوه (1) أو دعوى تلف مال موجود، أو نحو ذلك.
وكذا دعوى كل شئ ينافي صحة العقود والإيقاعات فيما يتعلق بحق الغير، كدعوى فوات شرط من شروط المتعاقدين أو من شروط العوضين أو من شروط الإيجابين أو من شروط المعاوضة بنفسها، ودعوى ضم شرط مفسد إليه، ودعوى عدم لحوق ما هو شرط في الصحة كالقبض في بعض العقود، فإن بعد وقوع العقد