المرجوح ففي صدق الدعوى به نظر، لأن قول القائل: (إني أطلبك شاكا) معناه: ما أدري ولا أعتقد أنك مطلوب أوليس (1) بمطلوب، ومثل ذلك لا يسمى (دعوى) عرفا، فضلا عن صورة كون الاحتمال مرجوحا في نظره.
وظاهر كلام الشهيد الثاني وجود الوجه أو القول بسماع الدعوى مع الشك والوهم أيضا (2). ولا أرى لذلك وجها أصلا بعد عدم الصدق قطعا، ولا أظن أحدا يقول به.
وفصل آخرون بين الأمور الخفية التي لا يطلع عليها بالقطع غالبا - كالقتل والسرقة - دون ما لا عسر في الاطلاع عليه، وهو الذي استوجهه الشهيد الثاني (3).
ولعل ذلك ناظر إلى الرجوع في صدق الدعوى إلى العرف، ولا ريب أن في مثل هذه الأمور الخفية لا يحصل القطع، وطريقة الناس التنازع في ذلك بمجرد الظن والحدس.
ويرد عليه: أن الإبراز في صورة القطع غير القطع الواقعي، وهو مما يعسر، والبحث في اعتبار الإبراز بصورة القطع وإن كان في الواقع ظانا، فكون الشئ مما يعسر الاطلاع عليه لا يقضي بكون الدعوى تصدق على صورة الظن أيضا.
وبالجملة: إن كانت الدعوى تتحقق بالظن ففي كل مقام كذلك، ومجرد غلبة الاطلاع لا ينافي، إذ لعل في هذا الفرض لم يحصل للمدعي الاطلاع. وإن لم يتحقق بذلك - إما بالحقيقة أو بالانصراف - وقلنا: إن دليل الدعوى ينصرف إلى ما هو بصورة الجزم، فلا يسمع ما هو مع التصريح بالظن مطلقا.
ويمكن القول بأن خصوص الظن والقطع لا مدخل لهما، والميزان صدق الدعوى عرفا، وهو يختلف بحسب المقامات، فالشئ الذي جرت العادة فيه بالاطلاع والعلم لو عبر فيه بالظن لا يسمى دعوى والشي الذي يعسر الاطلاع عليه يعد دعوى وإن عبر بالظن. ولا يخفى ما فيه من التكلف، فتدبر.