أن القاعدة تقضي بعدم لزوم الإقباض إلا بقبض الاخر، كما قررناه.
ويؤكد الإشكال مصيرهم في باب إجارة الأعمال (1) إلى عدم لزوم تسليم الأجرة إلى العامل إلا بإتمامه العمل وإن ملكها بالعقد، نظرا إلى عدم لزوم قبض أحد العوضين قبل الاخر، وأي فارق بين الإجارة على الأعمال والإجارة على الأعيان، مثل الدابة والدار؟
وبالجملة: هذان الكلامان مما لا ينطبقان على المدعى.
والذي يقتضيه النظر الصحيح أن يقال: إن القبض في المنفعة لا يتحقق إلا بالاستيفاء، وقبض العين لا يعد قبضا للمنفعة، وكلامهم في باب الأجير وضمان النافع قبل الاستيفاء ونحو ذلك جار على القاعدة، لكن حكمهم في بحث التقابض بلزوم الدفع للأجرة بمجرد قبض العين المستأجرة، لأنه لا يمكن القبض للمنفعة والاستيفاء غالبا دفعة، لأن المنفعة توجد تدريجا، ولا يمكن وجودها دفعة، فحكموا بأن قبض العين قائم مقام قبض المنفعة في ذلك، دفعا للعسر والحرج، ودفعا للغرر والضرر عن مالك المنفعة، فإنه لو صبر إلى حين استيفاء المنفعة بتمامها لزمه الضرر.
وبالجملة: مسألة التقابض خارجة عن القاعدة في المنفعة بالإجماع، وما ذكرناه هو المقرب للدليل.
ويمكن أن يقال: إن توقف قبض أحد العوضين على الاخر ليس إلا لجريان قانون المعاوضة في العادة على ذلك - كما أشرنا إليه سابقا - وطريقة إجارة الأعيان إنما هي على قبض العين وإقباض الأجرة وهو المدار في الفتوى، فتصير المسألتان كلاهما على القاعدة، فتدبر.