كساؤها على باب الكعبة بعد تمام بنائها.
وأما كسوة البيت نفسه فيقال: إن أول من كساها تبع أبو بكر أسعد، كساها بالبرود المطرزة بأسلاك الفضة، وتبعه خلفاؤه، ثم أخذ الناس يكسونها بأردية مختلفة فيضعونها بعضها على بعض، وكلما بلى منها ثوب وضع عليها آخر إلى زمن قصي، ووضع قصي على العرب رفادة لكسوتها سنويا واستمر ذلك في بنيه، وكان أبو ربيعة ابن المغيرة يكسوها سنة وقبائل قريش سنة.
وقد كساها النبي (صلى الله عليه وآله) بالثياب اليمانية، وكان على ذلك حتى إذا حج الخليفة العباسي المهدي شكا إليه سدنة الكعبة من تراكم الأكسية على سطح الكعبة، وذكروا أنه يخشى سقوطه، فأمر برفع تلك الأكسية وإبدالها بكسوة واحدة كل سنة، وجرى العمل على ذلك حتى اليوم، وللكعبة كسوة من داخل، وأول من كساها من داخل أم العباس بن عبد المطلب لنذر نذرته في ابنها العباس.
منزلة الكعبة: كانت الكعبة مقدسة معظمة عند الأمم المختلفة، فكانت الهنود يعظمونها ويقولون: إن روح " سيفا " وهو الأقنوم (1) الثالث عندهم حلت في الحجر الأسود حين زار مع زوجته بلاد الحجاز.
وكانت الصائبة من الفرس والكلدانيين يعدونها أحد البيوت السبعة المعظمة (2)، وربما قيل: إنه بيت زحل لقدم عهده وطول بقائه.
وكانت الفرس يحترمون الكعبة أيضا زاعمين أن روح هرمز حلت فيها، وربما حجوا إليها زائرين.
وكانت اليهود يعظمونها ويعبدون الله فيها على دين إبراهيم، وكان بها صور وتماثيل، منها تمثال إبراهيم وإسماعيل، وبأيديهما الأزلام، ومنها صورتا العذراء والمسيح، ويشهد ذلك على تعظيم النصارى لأمرها أيضا كاليهود.
وكانت العرب أيضا تعظمها كل التعظيم، وتعدها بيتا لله تعالى، وكانوا يحجون إليها من كل جهة، وهم يعدون البيت بناء لإبراهيم، والحج من دينه الباقي بينهم بالتوارث.
ولاية الكعبة: كانت الولاية على الكعبة لإسماعيل ثم لولده من بعده، حتى تغلبت عليهم جرهم فقبضوا بولايتها، ثم ملكتها العماليق، وهم طائفة من بني كركر بعد حروب وقعت بينهم، وقد كانوا ينزلون أسفل مكة كما أن جرهم كانت تنزل أعلى مكة وفيهم ملوكهم.
ثم كانت الدائرة لجرهم على العماليق فعادت الولاية إليهم فتولوها نحوا من ثلاثمائة سنة، وزادوا في بناء البيت ورفعته على ما كان في بناء إبراهيم.
ثم لما نشأت ولد إسماعيل وكثروا وصاروا ذوي قوة ومنعة وضاقت بهم الدار حاربوا جرهم