في مسجده، ولذلك كان العلماء لا يزالون باحثين في أمر قبلة المحراب، وربما ذكروا في انحرافه وجوها لا تصدقها حقيقة الأمر، لكنه (رحمه الله) أوضح أن المدينة على عرض 24 درجة 57 دقيقة وطول 39 درجة 59 دقيقة وانحراف 0 درجة 45 دقيقة تقريبا، وانطبق على ذلك قبلة المحراب أحسن الانطباق، وبدت بذلك كرامة باهرة للنبي في قبلته التي وجه وجهه إليها وهو في الصلاة، وذكر أن جبرئيل أخذ بيده وحول وجهه إلى الكعبة، صدق الله ورسوله.
ثم استخرج بعده المهندس الفاضل الزعيم عبد الرزاق البغائري رحمة الله عليه قبلة أكثر بقاع الأرض، ونشر فيها رسالة في معرفة القبلة، وهي جداول يذكر فيها ألف وخمسمائة بقعة من بقاع الأرض، وبذلك تمت النعمة في تشخيص القبلة.
وأما الجهة الثانية - وهي الجهة المغناطيسية -: فإنهم وجدوا أن القطبين المغناطيسيين في الكرة الأرضية غير منطبقين على القطبين الجغرافيين منها، فإن القطب المغناطيسي الشمالي مثلا على أنه متغير بمرور الزمان بينه وبين القطب الجغرافيائي الشمالي ما يقرب من ألف ميل، وعلى هذا فالحك لا يشخص القطب الجنوبي الجغرافي بعينه، بل ربما بلغ التفاوت إلى ما لا يتسامح فيه. وقد أنهض هذا المهندس الرياضي الفاضل الزعيم حسين علي رزم آرا في هذه الأيام وهي سنة 1332 هجرية شمسية على حل هذه المعضلة، واستخراج مقدار التفاوت بين القطبين الجغرافي والمغناطيسي بحسب النقاط المختلفة، وتشخيص انحراف القبلة من القطب المغناطيسي فيما يقرب من ألف بقعة من بقاع الأرض، واختراع حك يتضمن التقريب القريب من التحقيق في تشخيص القبلة، وها هو اليوم دائر معمول - شكر الله سعيه - (1).
بحث اجتماعي:
المتأمل في شؤون الاجتماع الإنساني والناظر في الخواص والآثار - التي يتعقبها هذا الأمر المسمى بالاجتماع من جهة أنه اجتماع - لا يشك في أن هذا الاجتماع إنما كونته ثم شعبته وبسطته إلى شعبه وأطرافه الطبيعة الإنسانية، لما استشعرت بإلهام من الله سبحانه بجهات حاجتها في البقاء والاستكمال إلى أفعال اجتماعية، فتلتجئ إلى الاجتماع وتلزمها لتوفق إلى أفعالها وحركاتها وسكناتها في مهد تربية الاجتماع وبمعونته. ثم استشعرت وألهمت بعلوم (صور ذهنية) وإدراكات توقعها على المادة، وعلى حوائجها فيها وعلى أفعالها، وجهات أفعالها تكون هي الوصلة والرابطة بينها وبين أفعالها وحوائجها كاعتقاد الحسن والقبح، وما يجب، وما ينبغي، وسائر الأصول الاجتماعية، من الرئاسة والمرئوسية والملك والاختصاص، والمعاملات المشتركة والمختصة، وسائر القواعد والنواميس العمومية والآداب والرسوم القومية التي لا تخلو عن التحول والاختلاف باختلاف الأقوام والمناطق