فصفهم ثم أتى الصف من رأسه ذا إلى رأسه ذا مرتين ثم قال: من يأخذ هذا المصحف فيمشي به إلى هؤلاء القوم فيدعوهم إلى كتاب الله ربهم وسنة نبيهم وهو مقتول وله الجنة! فلم يجبه إلا شاب من بني عامر بن صعصعة، فقال له علي:
خذ! فأخذ المصحف، فقال له: أما إنك مقتول ولست مقبلا علينا بوجهك حتى يرشقوك بالنبل!
فخرج الشاب بالمصحف إلى القوم، فلما دنا منهم حيث يسمعون قاموا ونشبوا الفتى قبل أن يرجع قال: فرماه إنسان فأقبل علينا بوجهه فقعد، فقال علي: دونكم القوم! قال جندب: فقتلت بكفي هذه بعد ما دخلني ما كان دخلني ثمانية قبل أن أصلي الظهر وما قتل منا عشرة، ولا نجا منهم عشرة كما قال (1).
- الإمام علي (عليه السلام) - فيما أخبر به عن فتنة المغول -: كأني أراهم قوما كأن وجوههم المجان المطرقة، يلبسون السرق والديباج، ويعتقبون الخيل العتاق، ويكون هناك استحرار قتل حتى يمشي المجروح على المقتول، ويكون المفلت أقل من المأسور (2).
- العلامة - في باب إخبار مغيبات أمير المؤمنين (عليه السلام): ومن ذلك إخباره (عليه السلام) بعمارة بغداد وملك بني العباس وذكر أحوالهم وأخذ المغول الملك منهم رواه والدي (رحمه الله)، وكان ذلك سبب سلامة أهل الحلة والكوفة والمشهدين الشريفين من القتل، لأنه لما وصل السلطان هولاكو إلى بغداد قبل أن يفتحها هرب أكثر أهل الحلة إلى البطائح إلا القليل، وكان من جملة القليل والدي (رحمه الله) والسيد مجد الدين بن طاووس والفقيه ابن أبي العز، فأجمع رأيهم على مكاتبة السلطان بأنهم مطيعون داخلون تحت الإيلية وأنفذوا به شخصا أعجميا. فأنفذ السلطان إليهم فرمانا مع شخصين أحدها يقال له: تكلم، والآخر يقال له:
علاء الدين، وقال لهما: إن كانت قلوبهم كما وردت به كتبهم فيحضرون إلينا، فجاء الأميران فخافوا لعدم معرفتهم بما ينتهى الحال إليه، فقال والدي (رحمه الله): إن جئت وحدي كفى؟ فقالا: نعم، فاصعد معهما. فلما حضر بين يديه - وكان ذلك قبل فتح بغداد وقبل قتل الخليفة - قال له: كيف أقدمتم على مكاتبتي والحضور عندي قبل أن تعلموا ما ينتهي إليه أمري وأمر صاحبكم؟ وكيف تأمنون إن صالحني ورحلت نقمته؟ فقال له والدي: إنما أقدمنا على ذلك لأنا روينا عن إمامنا علي بن أبي طالب (عليه السلام) أنه قال في خطبه: " الزوراء وما أدراك ما الزوراء؟ أرض ذات أثل، يشيد فيها البنيان، ويكثر فيها السكان، ويكون فيها مهارم وخزان، يتخذها ولد العباس موطنا، ولزخرفهم مسكنا، تكون لهم دار لهو ولعب، يكون بها الجور الجائر والحيف المحيف والأئمة الفجرة والقراء الفسقة والوزراء الخونة، تخدمهم أبناء فارس والروم، لا يأتمرون بينهم بمعروف إذا عرفوه، ولا ينتهون عن منكر إذا أنكروه، تكتفي الرجال منهم بالرجال والنساء بالنساء، فعند ذلك الغم