الملي، فعلم أن المراد بأصالة الفطرة ما ذكرناه، لا كونه في حكم المسلم مطلقا.
ولو قيل: كما أنك لا تحكم بارتداده عن فطرة لعدم علمك بشرطه فلا تحكم بالملية أيضا، لأن من شرطه العلوق مع كفر أبويه وهو غير معلوم، ولا ترجيح لأحدهما على الاخر.
قلت: لا أقول بأن الملية علم شرطه، بل نقول: إن الشك في ذلك يوجب نفي الأحكام المشكوكة بالأصل، وأحكام المرتد عن فطرة - من قتل وقسمة مال وزوال نكاح وغيرها - على خلاف الأصل، فتنفى حتى تثبت.
وبالجملة: البناء على أصالة الإسلام للخبر المذكور لا يستلزم المحذور، ومع ذلك فضعفه الخالي عن الجابر (1) مع ما يظهر من الأصحاب خلافه يمنع من العمل به.
وأما نفي الأصل عن البين فلأن الكفر عبارة عن الإنكار واعتقاد الخلاف، فكل منهما أمران وجوديان منفيان (2) بالأصل، وليس شئ منهما موافقا له، فيكون هناك واسطة، كمن يبلغ نائما أو ذاهلا، أو لم يسمع صيت الحق والباطل أو كان مترددا في الترجيح - ونحو ذلك - فإن ذلك كله ليس بكافر ولا مسلم، وهذا القول هو المنسوب إلى المعتزلة.
ولازم هذا القول: الرجوع في أحكام هؤلاء الوسائط إلى الأصل، فإن كان حكم الإسلام هو الأصل - كما في الطهارة مثلا - فيحكمون به فيهم، وإن كان حكم الكفر موافقا للأصل - كعدم حل ذبيحتهم - يحكمون بحكم الكفر كما هو القاعدة في الموضوع المشتبه، وهذا القول مما لا يحوم أحد من أصحابنا حوله. فالحق - حينئذ - المصير إلى أصالة الكفر، ومراعاة علائم الإسلام الأربعة المشار إليها (3) فتدبر. وهنا كلام من جهات لا مجال في ذكره.