ولا يسري إلى كل من حصل له العلم بعد ذلك.
وسر ذلك كله: ما مضى منا في بحث إبطال التعليق للعقود (1) وفي بحث اشتراط التنجيز (2) وفي بحث بطلان العقود الجائزة بالموت والجنون والإغماء (3) أن العقد لابد من تعلقه بشئ متصل بآن العقد قابل لتعلقه به - على اختلاف أحكام العقود في ذلك - والتوكيل يقتضي كون الوكيل بالغا عاقلا، فإذا كان كذلك حال العقد تعلق به، وإذا زال بطل، لعدم شمول التوكيل إلا حال العقل، وإذا عاد العقل لا تعود الوكالة، لبطلان العقد السابق. وفرض العموم فيه بأنه (كلما صرت عاقلا فأنت وكيلي) ينحل إلى وكالة معلقة، وقد عرفت أن التعليق مبطل، وليس هذا إلا كقولك: (إن جاء زيد فأنت وكيلي) قاصدا تحقق الوكالة في ذلك الوقت، لا التصرف، فإن تعليقه مع تنجيز التوكيل لا بأس به. ولا فرق في لزوم التعليق بين الخاص والعام، فلو عمم أيضا لم يتعلق إلا بالمتصف حين العقد، ويصير بالنسبة إلى غير المتصف تعليقا، كما لو أريد به حالة عود العقل على هذا المتصف بعد عروض الجنون عليه صار تعليقا أيضا، إذ معناه حينئذ: أيها العاقل إذا جننت ثم عقلت فأنت وكيلي، وهو باطل بالضرورة، فالوكالة الأولى زالت بالمانع، والثانية غير صحيحة للتعليق.
وإذا تأملت في أطراف هذا الكلام - الذي هو من مطارح الأعلام ومزالق الأفهام - عرفت أن الفرق ليس بذلك، ولكن قد أشرنا فيما سبق أيضا - في بحث بطلان العقد الجائز بالجنون والإغماء - أن تفويض أمر إلى آخر يصير بأقسام ثلاثة:
مرة: يكون من باب النيابة - كالتوكيل - ولازمه: العزل وعدم العود إلا بالنصب الجديد، وكونه تابعا للموكل معزولا بعزله وبانعزاله وبموته وجنونه وإغمائه وإن بقي الوكيل عاقلا.