أن المعاملة إذا كانت سفهية، فإما أن يكون طرفاه أو أحدهما مما لا يعد مالا كالحشرات ونحوها، أو مما يعد مالا لكنه لا فائدة فيه، بل هو محض تضييع للمال، وعلى التقديرين فهو خارج عن اسم التجارة.
ولو سلم شمول لفظ (التجارة) على مطلق المعاوضة أي نحو كانت بحسب الوضع اللغوي، نقول: إن لفظ (التجارة) هنا ليس عاما حتى يندرج فيه مطلق الأفراد، بل هو مطلق ينصرف إلى الأفراد الشائعة المعتادة، ولا ريب أن السفهية خارجة عن المعتاد الغالب فلا تدخل تحت المستثنى، فتبقى تحت عموم الأكل بالباطل، ولازمه الفساد.
وأما عموم أوفوا بالعقود و (المؤمنون عند شروطهم) ونحو ذلك من العمومات، كأحل الله البيع و (الصلح جائز) وغير ذلك من الأدلة المطلقة في أبواب الفقه التي يتمسك بها في إثبات الصحة فغير شامل للمقام، نظرا إلى انصرافها أيضا إلى المتعارف الشائع وما عليه طريقة الناس، وما لا يقصد للعقلاء غير مندرج تحت ذلك، مضافا إلى أن المعلوم من طريق الشرع المنع عما لا يعتد به دينا ودنيا، وما نحن فيه من ذلك القبيل.
ومما يؤيد المقام بل يكون حجة في الباب: أدلة حجر السفيه عن التصرف المالي، إذ ليس الحجر عليه إلا من جهة صدور مثل هذه المعاملة عنه غالبا، وهو مما لا يرضى الشارع به، وهو من أقوى الامارات على أن هذه المعاملة غير مرضي عنها عند الشارع وغير ممضاة في نظره.
فإن قلت: إن المعاملة السفهية تكون نافعة في أحد طرفيها وإن لم يكن فيها نفع بالنسبة إلى الجانب الآخر كما علم ذلك من الأمثلة، فبالنسبة إلى أحد الجانبين تدخل تحت أدلة التجارة والعقود ويتم في الجانب الآخر أيضا بعدم إمكان التفكيك.
قلت أولا: إن خروجه عن الأدلة قد مر أنه لأجل عدم التعارف وكون أحد الجانبين ينتفع به لا يجعله متعارفا.